لم تتكون الجماعات البشرية عبر نزوح عادي، بل كان لا بد لها من مبررات قوية تدفع بجماعة ما أن تترك أرضها مهاجرة لأرض أخرى. فكانت الكوارث الطبيعية في المقام الأول سبباً للهجرات والنزوح، بل وفرض الحرب كخيار لغزو شعوب أخرى مستقرة وهانئة. هذا الغزو لم يكن بعيداً عن تاريخ السودان، منذ مملكة كوش وحتى الاستعمار، فلا توجد قبائل في السودان لم تكن نازحة أو غازية من الخارج إلى الداخل. فقبائل الشمال، ظهرت مؤخراً بعد نهاية مملكة المقرة كقبائل نُبذت من الهضبة الأثيوبية، ونزحت إلى الداخل وتزاوجت مع نازحين آخرين كالفولاني والدينكا وغيرهم. ولهذا هناك امتدادات حدودية لأغلب القبائل السودانية. فنوبة الشمال لديهم اليوم بطاقات أو جنسية مصرية إلى جانب السودانية. وبما أن أغلب الحكومات كانت شمالية، لذلك نجدها استثنت ازدواج جنسيتها من بعض المحظورات. فمثلا حظر القانون السوداني زواج بعض أصحاب المناصب القيادية من الزواج بنساء غير سودانيات، ولكن لأن اغلب الشماليين كانوا متزوجين من مصريات، فقد استثنوا الزواج من مصريات. هذا قانون موجود ونافذ حتى يومنا هذا. وهكذا أصبح ممنوعاً على قبائل الشرق الزواج من أثيوبيات أو ارتريات والا حُرم الرجل من وظيفته. وكذلك لا يجوز لزغاوة السودان الزواج من تشاديات وإلا حرم الموظف من وظيفته، ولا يجوز للمسيري الزواج من جنوب سودانية وإلا حرم من وظيفته. لكن يجوز للحلفاوي والدنقلاوي والمحسي..الخ الزواج من مصرية والاحتفاظ -رغم ذلك- بوظيفته. فالقانون ظل مكرساً لخدمة الشمال دون سائر القبائل الأخرى. بغض النظر عما سبق، فإنه لا توجد قبائل لم تنزح من الخارج، لكن بالتأكيد لا يتم الاعتراف بشرعية ذلك النزوح أو الهجرة إلا لقبائل معينة. أما أي نزوح آخر فلا يعترف به. اي انه لا يتم الاعتراف بأي امتدادات قبلية لغير الشماليين، وهذا عوار وظلم. فلا يمكن أن تطلب مني الاعتراف باحقيتك في الجنسية رغم أن جدك العباس من الجزيرة العربية كما تزعم، ولا تريد أنت أن تعترف بأني استحق الجنسية السودانية لأن جدي تركي او من تشاد او النيجر. وهكذا يمكننا فهم الآلية الإعلامية الخطيرة التي تعمل على شيطنة القبائل الأخرى ونزع الجنسية عنها بل ونزع الوطنية عنها ووصمها بالعمالة والارتزاق. هذه الشيطنة بدأت ضد الجنوبيين المساكين، والذين كانوا يوصمون بالعبيد والكفار وأصحاب الرائحة العفنة. وهو ما يحدث الآن لقبائل دارفور الذين يوصمون فضلاً عما سبق بالتشاديين والنيجريين والماليين ويتجاهلون العباس. هذا ظلم وعدم نزاهة معهودة في هؤلاء القوم الفاسقين. ولذلك، نحن يجب أن نعمل على إزالة دولة ستة وخمسين، أي إزالة تلك العقلية التسلطية المحتكرة للوطن والوطنية والجنسية. وبناء دولة تعترف بسودانوية الجميع أيا كان المكان الذي جاء منه الأحفاد. بل ونعمل على فتح هجرة القرعة لكافة من يريد الهجرة إلى السودان والحصول على الجنسية السودانية أيا كانت الدولة التي سيأتي منها الفرد، فنحن لسنا أفضل من امريكا وأوروبا. إن السودان رقعة واسعة وشاسعة، وتحتاج لما لا يقل عن مائة وخمسين مليون مواطن جديد، لا سيما من العمالة الماهرة، لإعادة بناء الدولة ما بعد الحرب. ولا بد من منح مزايا لمن يفكرون في الهجرةةإليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة