لو ضربت مسمار وسط الصحراء، ستجد مجموعات تهرول نحوك وتدعي بأن هذه أرضها. رغم أنهم لم يزرعوها ولم يبنوا فيها ولا حتى كوخ صغير. أصبحت مشكلة الأراضي كبيرة بسبب الاستحواز الأناني على كل شبر، بدون أن يتبع في مسألة الحيازات أمر الشريعة التي تشترط إحياء الموات. أي استغلال الأرض والانتفاع منها انتفاعا هادئاً وحقيقياً. إن الشعب السوداني في الواقع مكون من مجتمعات بدائية شديدة الرعونة والأنانية، ولا ترعوي بكلمة الحق بل بالكرباج الغليظ. وطوال فترات حكم أهلهم الجهلاء تم تسخير هذه الشعوب البدائية للعب أدوار سياسية لتعميق الصراع حول الأرض الخلاء ومن ثم تمكين النخبة الحاكمة من استغلال ذلك الصراع لمصلحتها. فكانت تدعم هذا وذاك بالسلاح. إن أرض السودان واسعة جداً، ولكن المجتمعات البدائية فيه ضيقت من مساحاته عبر احتكار كل شبر حتى ولو بدون زراعة أو استثمار أو سكن. وما زاد الطين بلة، ضعف النمو الاقتصادي، وعدم التحول إلى دولة صناعية، وضعف العاصمة والعواصم الأخرى من ناحية التمدين، واستمرار الأسر الممتدة والقبائل والعشائر بالشكل التقليدي القديم، وهذا ما أفضى بدوره إلى التمايز العرقي، وعدم القدرة على انصهار هذه المجتمعات في ثقافة متحضرة واحدة. وعلى ذات الأثر؛ أفضى ما سبق إلى احتكار الأراضي الخلاء والتي لا تستثمر بحجة الحيازات التاريخية، وهكذا حُرم آخرون من إحياء موات تلك الأراضي القفر. بل وأنتج ذلك الاحتكار الأناني وغير المنطقي الحروب الأهلية الصغيرة والكبيرة. لذلك كان على النخب الحاكمة أن تسن قوانين منع احتكار الأرض غير المستثمرة، وأن تعطي أصحاب الأراضي مهلة لا تتجاوز سنة لاستثمار أراضيهم وإلا نزعت منهم، وأن تنفذ الحكومة تلك القوانين بصرامة ودقة عاليين. المشكلة الأخرى تمثلت في مافيا الأراضي، التي تمارس فساداً عبر شبكات ضخمة تبدأ من سمسار وموظف داخل الوزارة وتنتهي بوكلاء الوزارات أنفسهم. فهي شبكة تعمل على تعطيل تقنين الحيازات، حتى تحصل على نصيبها من المأكلة. لقد طور الكيزان تلك الشبكات وجعلوها ماعوناً لاستقطاب وحماية أنصارهم، مما حول الدولة بأكملها (شعباً وسلطة) إلى لصوص. إن أول حكومة قادمة يجب أن تبدأ من قضية الأراضي هذي وتمارس عنفاً سلطوياً شرعياً ضد من يقف ضد تلك القوانين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة