واليوم قرأت في حالة إحدى الصديقات أبيات شعر للإمام علي، وكأنني أقرؤها لأول مرة في حياتي، رغم أنني قرأتها عديداً مديداً منذ افلتُّ من أميتي طفلاً. وانتابني بقراءتها غمر من التبصر المنتشي بالعرفانية المُلهَمة المُلهِمة. فما فتئت حينئذٍ أبحث عن تأويلات المؤولين وتفاسير المفسرين فلم أجد منهم ما يشفي غليلاً، بل تهافتاً يذل الحكمة ولا يرفعها. أربعة أبيات شاملة، ألقت بي وراء البرزخ، وأفهمتني مجراي في الكون، وأي سر أكبر من أن تعلم مجراك في الكون. وحين اختلف البعض حول صاحب القصيدة فقال الأغلبية أنه الإمام علي، وقال البعض هو أبو العتاهية، قلت بل هو الإمام علي، لأن هذه العرفانية العميقة، وأسرار الطريقة، لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، تجاوز الزمان، وفاض ففاضت عليه الأكوان، وما هذا إلا علي. وعليٌّ هنا، رمزية، فلا يشترط أن تكون حقيقة، رمزية للاستبصار والحكمة. دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ أَتَزعُمُ أَنَّكَ جِرمٌ صَغير وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ
وتذكرت مقالاً كتبته منذ زمن قصير، عن تطور الإنسان، خلال الملايين القادمة من السنين، وأدركت أن معالجتي الفكاهية تلك إنما كانت معالجة مادية محضة، وأن هذا البيت معالجة روحانية ومادية في ذات الوقت، فكان ذلك ما بينهما من تفاوت يذكر. وسأحاول خلال الأيام القادمات أن أدرس هذا البيت دراسة تأملية واسعة، لأن أسراره كبيرة، ترفع الهمة، وتنير الغياهب المدلهمة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة