الحرب التي أشعلتها الحركة الإسلامية في السودان هي امتداد لمحاولات متعددة لم تتوقف منذ فض اعتصام القيادة العامة الدموي للانقضاض والالتفاف على ثورة الشعب. فقد أعلن قادة هذا التنظيم الدموي على الملأ بأنهم سوف لن يتركوا الساحة السياسية ولن يسمحوا باكتمال الانتقال والتحول الديمقراطي حتى وإن احترق السودان بأكمله وبمن فيه. لم يكن للمتأسلين التمكن من (تلابيب) البلد قسرا وتدميرها تماما وجعلها في ذيل الدول الأقل نموءا والأكثر فقرا لمدة ثلاثين عاما حسوما لولا استغلالهم السيء لمؤسسة الجيش الوطني الذي عاثوا فيه فسادا وتدميرا بتشريد وقتل وعزل كل من لا ينتمي لفكرهم الشاذ. ثلاثون عاما حولوا خلالها هذه المؤسسة (التي من المفترض أن تكون قومية) إلى تابع ذليل حقير بائس شأنه شأن أي منظمة من منظمات حزبهم المقبور المؤتمر الوطني. ثلاثون عاما ظل خلالها قادة جيش السودان يأتمرون بأوامر قادة الحركة الإسلامية كما قال الفريق هاشم عبد المطلب رئيس هيئة الأركان السابق أثناء التحقيق معه بعد فشل أول محاولة انقلابية بعد ثورة ديسمبر المجيدة، قال الفريق عبد المطلب أنه انضم للحركة الإسلامية منذ أن كان ضابطا صغيرا برتبة الملازم وواصل في إعترافاته المنشورة على اليوتيوب إنه على اتصال بقادة التنظيم ويتلقى الأوامر من الزبير محمد الحسن ونافع وعلي كرتي وعوض الجاز، هذه الشهادة وحدها تختصر الكثير مما يمكن قوله عما لحق بجيشنا الهمام وتقف شاهدا حزينا على ما آل إليه حال تلك المؤسسة التي أجمع كل السودانيين بعد ثورة ديسمبر المجيدة على ضرورة إصلاحها وإعادة هيكلتها و(فرمطتها). كما أن حديث علي عثمان في إحدى مؤتمرات الحركة الإسلامية التي نشرتها قناة العربية بإسم الأسرار الكبرى يثبت بما لا يدع مجالا للشك سيطرة التنظيم الكاملة على الجيش، إذ قال علي عثمان في ذلك المؤتمر (أننا أعدمنا في ساعة واحدة ثمانية وعشرين ضابطا من خيرة ضباط القوات المسلحة)، قال (نحن) أي الحركة الإسلامية فعلي عثمان لم يكن ضابطا في الجيش ليقرر إعدام ثمانية وعشرين ضابطا بل كان قائدا نافذا في الحركة الإسلامية التي كانت تقود الجيش وهي المسؤولة عن تعيين وترقية وفصل بل واعدام ضباطه، أي هوان وانحطاط بلغ بالجيش ليسمح بمدنيين مهما بلغ شأنهم أن يقرروا في إعدام ضباطه؟ فكما هو معلوم أن للجيش قانون خاص وقضاء مسؤول عن المحاكمات العسكرية للضباط وضباط الصف والجنود، وللجيش كذلك سجونه الخاصة التي لاتتبع لوزارة الداخلية أو السلطة القضائية، فهل ترك الإسلامويين للجيش ذرة من كرامة ليتباكوا عليها الآن؟
هل للجيش الذي قاد في عهدهم أكبر حملة إبادة جماعية في تاريخ المنطقة ضد أبناء الشعب السوداني في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق تجاوز عدد ضحاياها الثلاثمائة ألف قتيلا، كما تم اغتصاب الآلاف من الفتيات وحرق المئات من القرى والفرقان كرامة؟ هل للجيش الذي تم ذبح أبنائه وبناته وتم ربط أجسادهم النحيلة بالحجارة وأُلقي بهم في النيل أمام مبنى قيادته العامة كرامة؟ هل للجيش الذي أُغتصبت نساءه وبناته أمام أبصار قادته كرامة؟ هل للجيش الذي أغلق أبواب قيادته أمام أبنائه وهم يستغيثون به من وابل رصاص كتائب الظل وعسف الجنجويد كرامة؟ هل للجيش الذي يستأثر بأكثر من ثمانين في المائة من اقتصاد شعب معدم ويتاجر ويضارب في قوته وأمواله وموارده كرامة؟ وهل لجيش مازال قادته رهائن وأتباع أذلاء لنظام سقط وشبع سقوطا ويقوده رموز ذلك النظام البائد كرامة؟
بعد هذه الحرب (العبثية) حسب وصف قائد الجيش ضد قوات الدعم السريع التي يستخدام فيها سلاح الطيران والمدفعية الثقيلة بصورة عنيفة على رؤوس سكان ولاية الخرطوم، الحرب التي ظن خبراء الجيش الاستراتيجيين أنها حرب خاطفة لن تتجاوز أيام معدودات لتدمير ودك معاقل قوات الدعم السريع، فبدلا عن الدعم السريع قامت بدك البنى التحتية المتهالكة تماما ودمرت ما تبقى من مصانع بحثا عن قوات الدعم السريع بصورة أعادت للأذهان القصة الشعبية الشهيرة للبصيرة أم حمد وحكمتها في إخراج رأس الثور من الجرة. بعد هذه الحرب (الكارثية) أرى ألا ضرورة إطلاقا لإضاعة الوقت في عملية الإصلاح والهيكلة، فالخراب الذي طال المؤسسة العسكرية وصل حدا يتطلب تسريح كل الضباط والقادة الحاليين وتعيين أحد شرفاء القوات المسلحة من الضباط المفصولين تعسفيا كقائد عام لحين تأسيس مدرسة عسكرية جديدة بمناهج وبرامج تدريبية حديثة ومختلفة تقود لتخريج خبراء وقادة حقيقيين يشكلون نواة لجيش رشيق واحترافي بعقيدة وأخلاق جديدة تتماشى مع التحول الديمقراطي والحكم المدني ومع التطور الذي تشهده الجيوش حول العالم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة