تغير التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في السودان يضر بمصالح البعض خاصة فئة الاسلاميين وحلفائهم ذلك التحالف الاجتماعي السياسي والذي ظهر بقوة عقب سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي كان لا يخفي توجه السودان نحو اقامة دولة قبلية علي نهج متطرف مما فتح عليه ابواب التمرد بجانب تمرد سابق في جنوب السودان فاقليم دارفور الواقع غرب البلاد لم يعرف تمرد منظم مسلح سياسي بشكل صريح الا في العام 2003م وقد كانت حينها عملية سلام الجنوب تسير علي حسب ماخطط لها الجانب الامريكي و في العام 2002م شهد لقاء تاريخي في العاصمة الأوغندية بين (البشير وجون قرنق) فتح ذلك اللقاء الباب واسعا لبدء عملية سلمية وفي العام 2003 اصدر الكونغرس الأمريكي قانون عرف بسلام السودان يلزم طرفي الصراع في السودان علي الانخراط في مفاوضات مع التلويح بعقوبات علي الطرف الرافض قاد السلام الشامل ما بين الحركة الشعبية وحكومة البشير الي ترتيبات أمنية منها اعادة التسريح والدمج للقوات المسلحة والجيش الشعبي مما خفض عدد جنود الجيش بالتالي توجب التعامل مع مرحلة السلام وفق معايير جديدة ولكن تمرد دارفور اجبر نظام البشير علي البحث عن قوات بديلة لاجل صد المتمردين في اقليم دارفور وفي سبيل ذلك استعان البشير بمجموعات قبلية اتخذت شكل القوات الشبه عسكرية في العام 2005 تحت مسمي استخابرات حرس الحدود ولاحقا في العام 2013 تحت مسمي الدعم السريع و في العام 2017م اصبحت قوات رسمية بموجب قانون اجازه البرلمان وفي العام 2018م كان لقوات الدعم السريع موقف مشرف عندما اعلن قائدها الفريق اول محمد حمدان دقلو الانحياز لثورة ديسمبر حيث لم يتوقع البشير و لا الاسلاميين ان يحدث منه ذلك ومن تلك اللحظة وقع عداء شخصي من الاسلامين ضد شخصية الجنرال محمد حمدان دقلو فهو في وجهة نظرهم المتسبب في انحياز المنظومة العسكرية لصالح الشعب كل تلك العوامل قادت الي ما يحدث الان من حرب فالاتفاق الاطاري لا يرغب فيه الاسلاميين بجانب بعض رجال القبائل ( الادارة الاهلية) فهو يشكل لهم تهديد مباشر فوجود حكومة مدنية مشكلة من قوي الثورة يعني لهم تكرار لكابوس الوثيقة الدستورية التي نجحوا في الانقلاب عليها لذلك لا خيار امامهم الا البحث عن حلول لاجهاضها وهذا ما حدث بخلق فتنة مابين الجيش والدعم السريع اذا بالتالي الحرب التي تدور الان ليست اسبابها مطامع شخصية بقدر ما هي صراع خفي مابين الحرية والتغير المجلس المركزي ضد الاسلاميين و حلفائهم الرافضين الاتفاق الاطاري
الدعم السريع دفع ثمن اعلانه الانحياز إلى خيار الشعب عبر دعم الاتفاق الاطاري وقد اتخذ خصوم الجنرال محمد حمدان دقلو الدعم موقفه من عملية الدمج حجة للحرب عليه بالرغم من انعقاد ورشة لهيكلة القوات المسلحة والدعم السريع والاجهزة الامنية الاخري وكادت التوصيات الختامية ان تكلل بالنجاح الا ان مسالة تحديد امد الدمج عرقلة العملية وقد كان بالامكان بالحوار التوصل الى حلول وسط تساعد علي الوفاق
الاسلاميين وحلفائهم يعتقدون ان التغير السياسي في السودان يعني لهم نهاية احلامهم في العودة الى السلطة وتجنب المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها فترة حكمهم للبلاد ولكن هواجس خوف الاسلاميين وحلفائهم من اكتمال عملية التغير في السودان تسببت في اشعال الحرب ولكن الاخطر ما في هذه الحرب هو اطماع القوي الدولية التي قد تتدخل في السودان بمختلف الوسائل منها في اطار تقديم المساعدات الإنسانية و اجلاء رعايا الدول الاوربية والامريكية من السودان بجلب قوات لحفظ السلام تفصل مابين القوات المتقاتلة ومجلس الامن الدولي هو الاخر قد يصدر قرارت حول السودان منها حظر ارسال الاسلحة الي السودان لمنع تفاقم الأزمة وغيرها من السيناريوهات ولكن الخاسر الأكبر هم الاسلاميين الذي سوف يكونوا في مرمي الاتهام في ما حدث في البلاد من التسبب في اشعال الفتنة
باختصار من يريد ان يعرف ما سوف يحدث في السودان في الفترة القادمة عليه بمراجعة تفاصيل الازمة التي حدثت في الجارة ليبيا وكيف انقسمت الي دولتين وان كان ذلك بدون اعلان رسمي حيث توجد في الشرق حكومة وعاصمتها مدينة بني غازي وفي الغرب حكومة عاصمتها مدينة طرابلس و يرجع سبب ذلك الصراع بين الاسلاميين والقوميين الليبيين حول كيف تحكم ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011 وفي صيف العام 2019 كانت قوات الجنرال خليفة حفتر القادمة من شرق ليبيا تطرق ابواب العاصمة طرابلس الا ان التدخل العسكري التركي قد اوقف ذلك الزحف ومن تلك اللحظة ظهر تفوق التسليح التركي خاصة في نطاق الطائرات المسيرة علي المضادات الجوية لقوات الجنرال خليفة حفتر الروسية الصنع وانعكس ذلك في حرب روسيا في اوكرانيا حيث زودت تركيا اوكرانيا بطائرات البيرقدار المسيرة ولم تتمكن روسيا من احداث الموازنة الا بعد جلب طائرات مماثلة من ايران ، اذا بالتالي من يحسم التفوق في الحرب التي تدور مابين الدعم السريع والجيش يتوقف علي من يمتلك الخبرة في خوض حرب المدن وهنا نجد كفة ميزان الدعم السريع هي الارجح واصرار استخدام الجيش للطيران الحربي قد يزيد السخط عليه من جانب المواطنين والمجتمع الدولي فاستخدام الطيران الحربي فوق المدن المكتظة بالسكان يحدث ضرر بالمدنيين
رغبة القوي الاقليمة والدولية علي المحافظة على مصالحها قد تلعب دور اخر في الصراع السوداني و لا توجد دولة تتدخل في شئون دولة اخري الا بهدف المصلحة و علي ضوء ذلك سوف تدخل مصر واثيوبيا في صراع مفتوح علي سماء السودان بسبب سد النهضة خاصة بعد اكتشاف وجود مصري عسكري في مدينة مروي بشمال السودان والتي لا تبعد جغرافياً كثيراً عن حدود اثيوبيا
قد تندلع الحرب بسبب اطماع حزب سياسي او طموح شخصي علي غرار اسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى ولكن من الصعب ضمان كيف تنتهي فالحرب العالمية الأولى انطلقت عقب مقتل ولي عهد الامبراطورية النمساوية المجرية خلال زيارته إلى مدينة سراييفو بواسطة طالب صربي الجنسية رفضت سلطات بلاده قبوله في الجيش الصربي بسبب قصر قامته وارد ان يثبت انه شجاع فقام بقتل ولي عهد النمسا حينها اعلنت روسيا الحرب علي صربيا وبالمقابل اعلنت المانيا التضامن مع النمسا ضد روسيا لتدخل فرنسا وبريطانيا الحرب بجانب روسيا ولتدخل تركيا الحرب بجانب المانيا لتفقد الامبراطورية العثمانية كامل املاكها بسبب دخولها تلك الحرب علي العموم الحرب في السودان لن تنتهي حتي وان توقفت بالخرطوم فالعناصر التي ساعدت في السابق على استقرار اقليم دارفور بتهدئتها قد تلعب دور كبير في ارجاع الاوضاع فيها الي المربع الأول وتسليط الأضواء من جديد علي قرارات مجلس الامن حولها خاصة مسالة تسليم الرئيس المعزول عمر البشير ورهطه الي المحكمة الجنائية الدولية
لقد ادخل الإسلاميين وحلفائهم السودان في موقف حرج فمن رفض الاتفاق الاطاري الذي كان سوف يحل مشكلة السودان الي الدخول في صراع الله وحده يعرف كيف ينتهي بمثل ماحدث سنة 1989 عندما اقدم الاسلامين علي تدبير انقلاب عسكري علي حكومة الراحل الصادق المهدي المنتخبة كان حينها السودان قاب قوسين او ادنى من ابرام اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق الا ان وقوع ذلك الانقلاب العسكري الاسلامي قاد البلاد الي حروب جهادية انتهت بانفصال الجنوب في العام 2011 م اضافة الي خطر الارهاب قد يهدد السودان فعناصر بوكو حرام والقاعدة وداعش لا تعيش إلا في مناطق النزاعات
لاحل الا بارجاع السودان الكبير بالاتحاد بين الشمال والجنوب اقتصاديا وتكوين سوق اقتصادي مشترك علي غرار تجربة الاتحاد الاوربي ولتحتفظ كل دولة بكامل سيادتها الوطنية السياسة ولتكن العلاقات الاجتماعية والثقافية عامل يساعد على تضميد جراح الماضي فالعلاقة بين الشمال والجنوب بعيدة كل البعد عن الاطماع وهم اقرب الشعوب إلى بعضهم البعض مع العمل علي اشاعة الديمقراطية فهي السبيل الوحيد لتحقيق اماني الشعوب
اتمني ان يحفظ الله شعبنا وان يمضي بثبات في طريق دولة القانون والمؤسسات الدستورية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وان يحكم الشعب نفسه بنفسه ويحاسب كل من اجرم في حق هذا الشعب
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة