لسنا مبالغين إن قولنا أنّ ما توصلت إليها مركزيةــ قحت مع المكون العسكري الانقلابي، جهد بشري ليس بالهين، إبداءً من إجازة مشروع وثيقة المحاميين السودانيين للدستور الانتقالي، ثم التوقيع على الاتفاق الاطاري، ليتوقف هذا الجهد السياسي على أعتاب التوقيع على مشروع التسوية النهائية، لإنهاء انقلاب الـــ 25 من اكتوبر، وتدشين المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية، والتي تمّثل الخطوة الأولى في استعادة مسار الدولة المدنيةــ الديمقراطية، وفق أسس واضحة، بصورة غير مسبوقة.
ولخطورة محتويات المشروع السياسي المرتقب، كان من المتوقع، أن يجئ المخاض عسيرا، وألاّ يسّلم العسكر الحكم للمدنيين، ويعودوا أدراجهم إلى ثكناتهم، "بأخوي وأخوك".
لعِظم الجهد الذي بُذل فيما تحقق، فمن الحماقة أن تعطي مركزيةــ قحت خصما مراوغا كالفريق عبدالفتاح البرهان، فرصة للتراجع عمّا تم الاتفاق عليه، ومن البلادة أن تتعامل بردة الفعل لتنقض عزلها بعد قوةٍ أنكاثا.
ألمحت آخر بيان لمركزيةــ قحت، إلى إمكانية لجوئها إلى خيارات بديلة، إذا فشل طرفا المكون العسكري في التوافق على النقاط الخلافية بينهما فيما تخص خطوات وآجال دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، وهيكلة مجلس الأمن والدفاع المرتقب وتبعيتها، ويفهم سياق البيان، أنّ مركزيةــ قحت، قد تتخذ خطوة أحادية وتشّكل الحكومة المدنية، متجاوزة التوقيع النهائي على مشروع التسوية السياسية.
من رأينا، أن مثل هذه الخطوة متهورة، ومجنونة، يعطي العسكر، الفرصة على طبق من ذهب للتمّلص مما تم الاتفاق عليه، والأفضل التريّث، ذلك أن هامش المراوغة لدى العسكر، يضيق عليهم من كافة الاتجاهات. فالكرة الآن في معلبهم، واحتفاظهم بها يفضح نواياهم. كما أنّ مهمة تقريب وجهات النظر، وتقديم مقترحات وسطية، هي من مهام الوسطاء الدوليين، بالدرجة الأولى، لأن عملية دمج الجيوش وإصلاحها، عملية ليست بالهينة، ولا ضير من الاستفادة من الخبرات البشرية "الدولية" في هذا المجال، رغم أنف المزايدين على التدخل الدولي في الشأن السوداني، والمغاليين بهتانا في السيادة الوطنية.
نقول هذا لأن مركزيةــ قحت، لم تعد طرفا محايداً، ولن تمكنها موقفها المعلوم من طرفيّ المكون العسكري لتقديم وساطة أو مشورة لهما في الخلاف الماثل الآن.
لكن، من الأفضل لمركزيةــ قحت أن تستفيد من الوقت، وتكسب فرصة "تجميد الكرة" لدى المكون العسكري، وتشرع بصورة جادة في اختيار رئيس الوزراء، ورئيس مجلس السيادة، وعضويته، وإرجاء اعتماد تعينهم إلى ما بعد التوقيع النهائي على مشروع التسوية السياسية.
ومن جانب آخر، على مركزيةــ قحت ألاّ تقبل مقترح تبعية رئاسة مجلس الأمن والدفاع للقائد العام للقوات المسلّحة، وعليها أن تصرّ على تبعية رئاسته لرئيس الوزراء مهما كلف الأمر، حسبما ورد في الاتفاق الإطاري فيما نظن، وإلاّ ظلت للعسكر الكلمة الأخيرة، واليد العليا على الحكومة الانتقالية المرتقبة.
وليس بعيداً عن هذا الشأن، رشحت مقترحاً مفاده أنّ مركزيةــ قحت بصدد تقاسم السلطة "محاصصياً" مع الكتلة الديمقراطية بنسبة 53% إلى 47% على التوالي.
من رأينا أن مثل هذه القسمة، ناهيك عن رفض مبدأ المحاصصة، تعتبر مكافأة "للأرادلة" على تحريضهم على تقويض الحكومة المدنية الانتقالية الأولى، ومساندتهم للانقلابين، الذين قتلوا بمشاركة هؤلاء مئات الشاب في شوارع مدن السودان المختلفة. والاتفاق الاطاري، يبعد المكون العسكري عن السلطة، ويحاكم المتورطين منهم في جرائم ثورة ديسمبر، وعلى الأرادلة أن يحاكموا على فعلتهم الانقلابية المشينة، بدلاً عن المكافأة بهذه الصورة السخيّة. نأمل ألا توافق مركزيةــ قحت على هكذا مكافأة مستفزة ومستخفة لثورة ديسمبر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة