يقول المثل الشعبي، مرمي الله ما بترفِع، ينطبق هذا المثل على السيد مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور، سنحت له فرص مواتية للرقي السياسي والتطور الفكري، إلا أنه فيما يبدو أستمرأ وضعية "مساعد الحلة" الذي أطلقه بنفسه على نفسه، وزهد في الترقي إلى كابينة القيادة. معروف أن "مساعد الحلة" كصبي طيّع ورشيق، يجيد الطبخ الشهي، وقضاء المراسيل الخاصة بالسائق، ورمي الصاجات للّوري، وهو مهيأ للصفع، و"صرف البركاوي" ومتّعود على المذّلة، من أجل الترقي والتعّلم.
خرط السيد مني أركو مناوي، "الرسن" الثوري، ووقع منفردا اتفاق أبوجا للسلام، وأصبح بموجبه، مساعداً لرئيس الجمهورية، المخلوع عمر البشير، وعندما اكتشف أنه مجرد "تماتة جرتق" في القصر الجمهوري، قال قولته المشهورة، والتي سارت بها ركبان الساسة والثوار كذلك، قال: "أنا الآن مساعد الرئيس، ولكن مساعد حلة" وظل يردد هذا التوصيف لمنصبه، إلى أن غادر القصر الرئاسي، دون أن يتأسف أحد على مغادرته.
حسب النجاحات المدهشة التي حققها السيد مني ميدانياً، توقع كثيرون، أنه سيغتنم سانحة تواجده في القصر الرئاسي، لتعّلم أبجديات الحوكمة، وأساسيات السياسة، ويلم على جناح السرعة، بأساليب الخبث المركزي، ودهاء رموز النادي السياسي العتيق، إلاّ أنه خيّب ظنهم، إذا خرج من القصر "مساعد حلة"، كما دخله أول مرة فيما يبدو، لم يتعّلم شيئا، ولم يضف شيئا مذكورا إلى مهاراته القيادية.
اتضح ذلك بشكل جليّ، بعد تقلده منصب حاكم إقليم دارفور، بموجب إتفاق جوبا للسلام عام 2020م، بصلاحيات شبه مطلقة، إذا أنه كان متعجلا من أمره، ولم ينتظر إجازة لوائح وصلاحيات هذا المنصب، إلى يوم الناس هذا، الأمر الذي أتاح له فرصة، تفصيل المنصب الدستوري على مقاسه وعلى حسب هواه، ومع ذلك، ظل يذّكر الناس، بوضعيته "كمساعد حلّة" بشيء من خفة الدم السياسية!
رغم الصلاحيات شبه المطلقة، في ظل الفراغ الدستوري، عجز السيد مني أركو مناوي تجاوز مرحلة "المساعدية"، إلى رحاب رجل الدول، إذ اكتفى وهو حاكم دارفور، برفع التقارير عن سوء الأحوال في إقليميه، إلى عناوين غير واضحة، والجأر بالشكوى إلى اللجنة الأمنية التي ظل يحاربهم ظاهرياً إلى وقت قريب!
نشر السيد الحاكم مؤخرا على حسابه في السوشل ميديا ما يلي:
"ورش تحت عنوان الإصلاح الأمني في الخرطوم وفي نفس التوقيت ارجاع واستيعاب المليشيات السابقة وتجنيد مليشي بمستوى غير عادي في دارفور عبر الشيوخ والعمد والادارات الأهلية بإغراءات مالية. هل يا ترى اتفاق سلام جوبا سيسلم في ظل هذه الخروقات الخطيرة؟؟؟."
إن كان السيد الحاكم، واثقا، ومتأكدا مما يقول، فلماذا لا يتخذ "آكشن" لوقف هذه المخاطر؟ ماذا ينتظر؟ وماذا يريد من الصلاحيات لاتخاذ إجراءات ضرورية لحماية الإقليم من شر حقيقي ماثل؟
اتضح أن أُفق السيد مني أقل بفراسخ عن تطلعات أبناء الإقليم في البناء والتعمير، ففي الوقت الذي ينتظره الأهالي، أن يبتكر مشروعات جديدة، أو الاجتهاد في نفخ الروح في المشروعات الطموحة التي دمرتها منظومة الإنقاذ مثل مشروع ساق النعام وغرب السافنا وحوض البقارة، لتساهم في محاربة الفقر المعشش في أوساط الأهالي، والمساهمة الإيجابية في إنعاش إجمالي الناتج القومي، لم يتعدَ خياله التنموي شراء بضع ركشات وعربات تكتك للأفراد، وهي خطوة بإمكان أفقر منظمة مجتمع مدني القيام بأفضل منها!
وبدلا عن الاجتهاد في استقطاب استثمارات وطنية ودولية لصالح تنمية الإقليم، يتبرع من إمكانياته على شحهها لغير المستحقين، وأفضل مثالين لتصرفه هذا، خراف مونديال قطر، وتبرعه مؤخرا للقوات المسلحة بمبلغ 10 مليار جنيه، أولى بها 15 ألف نازح من أهالي منطقة تندلتي الذين عبروا خلال الأسابيع الماضية إلى دولة تشاد! فالجيش مستولي على 85% من اقتصاديات البلد، وأهالي ونازحي دارفور، يتنظرون منهم التبرع، لا أن يتبرع حاكمهم لهم!
"مساعد الحلّة" غالباً ما يتغنى بمهارة معّلمه السائق الملهم، ويبالغ في سرد بطولاته، إلا أنّ السيد مني، لم يرتقِ إلى مصاف رجل الدولة، ولم تسعفه فطرته القيادية، بأن يكون كتوماً، يحفظ الأسرار الرئاسية، إذ شاهده الشعب السوداني، وهو يفضح رئيسه المخلوغ البشير، خلال جولاته لافتتاح مشروعات وهمية مزورة بالفاشر، برفقة ذراعه الفاسد عثمان كبر، فالسيد مني نبش الدراما الرئاسية بصورة تفتقر للحصافة الدستورية، من أجل التسرّية، وكسب التعاطف ممن تكبدوا مشاق السهر لحضور لياليه وندواته السياسية الفارغة من أي مضمون!
حسب إدائه الحالي، يظهر للمتابع أنّ منصبه لازم الفائدة redundant إذ أنه عاجز أن يكون في قلب الأحداث الساخنة في ربوع الإقليم، حيث أختصر حضوره في الجزء الشمالي بصورة تفتقر للحياد السياسي، ففي الوقت الذي تمور فيه الأوضاع في منطقة تندلتي بغرب دارفور، كان حاكم الإقليم يتفقد أحوال المساجين في سجن شالا بالفاشر، وفي الوقت الذي أوشك فيه ألسنة نيران منطقة بليل أن تلتهم مدينة نيالا، كان حاكم الإقليم يسوح في أسمرا! وحتى بعد عودته، لم نسمع بزيارته للمنطقة، وبماذا أعانهم غير التجاهل! فالسيد مني يعاني بوضوح كيفية ترتيب أولوياته الإقليمية، ويشّكل غياب ملحوظ في الغرب والجنوب والشرق من ولايات الإقليم.
أضاع السيد مني أركو مناوي فرصتان ذهبيتان، للارتقاء حتى من مساعد حلة، إلى مساعد كبير، قد فات الأوان. الكل يستحق الفرصة الثانية، أما الثالثة فلا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة