أصحاب التنمية البشرية، قريبون جداً من علماء النفس، حين يطلبون منك تكرار الهمس بالأشياء الإيجابية ليتحسن مزاجك. وقبل قرابة أربعة عشر عاماً ارسل لي أحدهم كتابا عنوانه السر؛ يتحدث عن الجذب، أي أن ينجذب الكون لك فيحقق أحلامك. بيعت ملايين النسخ من هذه التفاهة وكسبت صاحبة الكتاب الملايين ببيعها للوهم للبشرية التي تعاني بلا أمل. الحقيقة التي يجب أن ندركها، أن تكرار هذه الترهات لن يغير من حياتك شيئاً، فأنت محاصر. أنت محاصر خارجياً أي بمحيطك البيئي البشري والمناخي والموسمي والسياسي والاقتصادي والثقافي..الخ، ومحاصر داخلياً من محدودية قدراتك الذاتية. لذلك فانتظار المعجزة لا فائدة منه. إما ان تستسلم أو تقاوم، وفي كل الأحوال ستكتشف الحقيقة المرة: (أنت هو انت) أنت ستظل أنت كما كنت أنت وكما ستكون أنت. إن شخصياتنا مثل الفولاذ الذي يكتسب الحرارة ببطء ومن ثم يفقدها ببطء، وليس كالألمونيوم. نحن نتشكل منذ طفولتنا عبر حشد من المؤثرات الخارجية والقدرات الداخلية. وحتى بلوغ الخامسة والعشرين تكون قد بلغت وعياً انفعالياً ثابتاً تجاه حقائق الوجود. إن دراسة كويتليه (١٨٣٤) أثبتت أن المجرم يبلغ شأو عنفوانه في الخامسة والعشرين، بعدها يميل إلى المكر أكثر من العنف، ليتحول لشخصية مزيفة بالكامل. أما في الثلاثين فتبدأ في خسارة العنفوان بالكامل، وفي الأربعين ستميل للحفاظ على صحتك بقدر المستطاع. لكن وعيك بالواقع سيبقى في محله. تشكل الخيبات المؤثر الأكبر خلال مسيرة حياتنا، واما النجاحات، فهي كذلك تلعب دوراً واضحاً في دفعك إلى الأمام..لكن لا الخيبات ولا النجاحات قادران على تغييرك تغييراً راديكالياً. هناك خط محدد ستسير فيه طيلة حياتك. سواء مهنياً حرفياً أو مجرماً او متشرداً، إلا إذا حدثت تغييرات ضخمة من الخارج، كالحصول على ميراث ضخم مفاجئ. وحتى في هذه الحالة فإن شخصيتك قبل الميراث هي التي ستحدد موقفك تجاه ذلك الميراث. سأصبح غنياً..سأصبح غنياً.. سأصبح غنياً.. سأعيش سعيداً..سأكون مشهوراً..الخ لا تعني أي شيء، فالكلمات تظل مجرد كلمات وليس بها أي أسرار، والكون هو الكون، القمر والمريخ وغابات الأمازون لن تتغير بسبب ترديدك لتلك الكلمات..فأنت لست شرشبيل والكون ليس السنافر. عندما نفهم ونقتنع ونؤمن بأنه لا توجد معجزات -إلا ما ندر ولتداعيات ما تسلب المعجزة وصفها بالمعجزة- حينها فقط ستتعلم التأقلم مع واقعك. يقولون بأن الواقعية هي فهم الواقع ومحاولة تغييره، أما الوقوعية فهي فهم الواقع والاستسلام له. أنت ستقاوم باستمرار، ولكنك في النهاية ستضطر للاستسلام والاندماج بواقعك، والتعامل معه كحقيقة لا يمكنك تجاوزها. لذلك فمن الأفضل لك أن تدرك ذلك مبكراً حتى لا تهدر عشرات السنين من عمرك في معارك خاسرة. وخلال وقوعيتك تلك قد تبصر سراب معجزة يلوح في الأفق...أقول لك: لا تكترث واستمر في السقوط...كن إيجابياً مع الحقيقة وليس مع الوهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة