إصطناع الأزمات في الدولة السودانية أصبح هو الفن الخبيث الذي يجيده أصحاب المصالح في كافة المرافق العامة والخاصة ليصلوا إلى جيبك قسراً مع سبق الإصرار والترصد وارغامك على الدفع والدفع بمرارة بعد أن يقوم سماسرتهم المنتشرين كالنمل حولك بعمل غسيل مخ مبدأي للضحية ومن معه بأن هذا الأمر لا يمكن أن تحصل عليه أو تنتهي منه بالطرق الرسمية والقانونية إلا أن تدفع لتسهيل الأمر وما هي إلا دقائق معدودة وتجد نفسك تترجى هذا السمسار شارحاً أزمتك وترجو منه أن يقوم لك بالمهمة وستعطيه ما يريد وبالفعل ينجز لك أمرك وتذهب في أقل من ساعة ، حتى أصبح هناك مشاهير شهرتهم طبقت الآفاق في تلك المؤسسات والسفارات والمطارات والجمارك وأضحت الرشا ثقافة أخرى تفتك بالجميع عياناً بيانا وليس لأحد دفعها أو مقاومتها في ظل عدم الرقابة المُجَرِّمَة للفعل ، لذا كثر السماسرة والسمسارات وأصبحوا أكثر عدداً من أصحاب المعاملات الحقيقيين والسمسارة ( الأنثى ) في الحقيقة أكثر قوة في سرعة التنفيذ من السمسار ( الذكر ) إذ يمكنها أن تنهي لك خدمة ثلاث سنوات بمكالمة هاتفية من كلمتين لا أكثر ولا أقل ، وهؤلاء السماسرة المنتشرون بكثافة يستطيعون تصنيف صاحب الغرض من الألف إلى الياء بصورة دقيقة ومذهلة . منذ عدة أشهر بدأت أزمة استخراج الأوراق الثبوتية ( رقم وطني ، بطاقة قومية ، جواز سفر ) هذه الأوراق الهامة في حياتنا والتي أصبحت ضرورية للغاية حتى في المعاملات اليومية بين الناس ، ناهيك عن المرضى الذين لا يستطيعون السفر لأن جوازاتهم تحتاج لتجديد وكذلك المغتربون الذين تضرروا أيما ضرر بسبب هذه الأزمة ، فكل المرافق والوزارات والشركات العامة والخاصة والتحاويل المالية عن طريق البنوك أو الصرافات تحتاج فيها لتلك الأوراق الثبوتية ووزارة الداخلية المنوط بها استخراج تلك الأوراق تعلم علم اليقين مدى الضرر الذي سيلحق بالمواطن إذا هي افتعلت أزمة لعدم استخراجها لأسباب واهية بحجة عدم وجود أوراق أو دفاتر أو حبر أو مرض المدير مالذي يجري في هذا الوطن؟ لماذا أصبح إختلاق الأزمات اليومية والشهرية والنصف سنوية سُنَّة مؤكدة لابد أن يمر بها المواطن السوداني ( التطير عيشتو دا ) الذي لم يتمتع طوال حياته بأي خدمة مستحقة له مئة في المئة ، فكل شيء أصبح نصف موجود أو ربع متوفر أو أقل شركة كوش التقنية للمعلومات التي غيرت إسمها إلى كوشايت المتكاملة المحدودة التي لا يعرف أحد بعد أهي تابعة للشرطة أم للمؤتمر الوطني المنحل أم هي شركة شريفة ونزيهة خاصة ؟ هذه الشركة التي تأسست في ٢٠٠٣م بهدف ترقية الأداء وتطويره واستخدامه على مستوى وزارة الداخلية والسوق المحلي والاقليمي ( كما تقول في موقعها على الشبكة ) هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن أزمة الأوراق الثبوتية لأكثر من ستة أشهر والأمر كما يبدو أن هناك مشكلة بين الشركة وجهة ما في الحكومة الإنتقالية تريد معرفة تبعية هذه الشركة أهي لوزارة الداخلية ام هي من ممتلكات العهد البائد بوضوح ؟ أكاد أقسم أن السودان كدولة فيه كل شيء ويمتلك كل شيء ويكفي كل الناس وبأقل الأسعار وعلى مدار الساعة وكل هذه الأزمات مفتعلة ومخطط لها ووقع الجميع في براثنها ولا يدري أحد كيفية الخلاص أو الفكاك منها فالأمر قد تشعب وتمدد وأصبحت خيوطه خارج الحدود أيضاً ، ولكن أُمُّ الأزمات لدينا على الإطلاق والتي يعود لها الفضل في توالد واستفحال وتغلغل الأزمات في كل الأرجاء وهي أزمة ضمير ساحقة ومخيفة . لم ننته بعد من أزمة الهوية السودانية فها هم يختلقون لنا أزمة أوراق ثبوتية سودانية لنصبح بجدارة دولة الأزمات المفتعلة على نطاق العالم . يفترض بالحكومة أن تعمل بأقصى جهدها وطاقتها لرفع العبء عن كاهل هذا الشعب ولكن للأسف تتعاون الحكومة مع القطاع الخاص تعاوناً بغيضاً في وجه الشعب الذي يعتقدان أنه عدوهما الأول ، فدائما ومنذ الأزل نرى الحكومة تزيد المرتبات ثم ترفع الدعم عن ما يمس حياة الناس فيبدأ القطاع الخاص في احتكار البضائع وتخزينها حتى وإن قاربت صلاحيتها على الإنتهاء ومن ثم يتم رميها في الشارع خير من أن تصل إلى يد المواطن فقط لرفع الأسعار بصورة جنونية لتعويض ما يعتبرونه خسائر . ليس هناك من يستبشر خيراً أبداً عند وجود أزمة من تلك الأزمات المتحالفة مع الشياطين إلا ويكون متأكداً أن ورائها زيادات هائلة على كل السلع وخاصة الضرورية منها. تُختلق أزمة وقود تمتد لعدة أشهر حتى يختنق الناس ويبحثون عنه بأي سعر وفي آخر رمق تخرج الحكومة مبشرة الشعب بأن أزمة الوقود قد تم حلها وأنه سينساب متدفقاً في كل محطات الوقود ولكن بسعر جديد وزيادة مضاعفة وما هي إلا دقائق حتى يبدأ أصحاب البصات السفرية والمركبات العامة والخاصة واللواري والشاحنات والتاكسي وأصحاب الشقق المفروشة والمؤسسة العامة لأصحاب الركشات وبائعو الخضر والفاكهة والأقاشيه ومناديل الورق والكمامات والماء البارد والمثلجات ورامي الطعمية والمطاعم السودانية واليمنية والسورية والأثيوبية والتركية وستات الشاي والدكوة وصاج السمك في رفع الأسعار كما يحلو لهم وتقف الحكومة تتفرج على مأساة هذا المواطن المسكين الذي يجد نفسه مضطراً بقبول الأمر الواقع ، وهكذا أزمةٌ إثر أزمة فما أن يخرج من البترول وأزمته حتى يقع في الغاز ولعنته وما أن يفيق منها حتى يصطدم بالخبز وصفوفه ليلاً ونهارا ولا يكاد يسند ظهره حتى يتفاجأ بأزمتي الكهرباء والماء وما أن يتجاوزهما حتى يقع على وجهه بأزمة الخريف والفيضانات وتوابعها من البعوض والذباب ويختتم الفصل بالأوبئة والأمراض التي تنتهي به أو بأحد أفراد أسرته على أبواب الجحيم ( أقصد ) المستشفيات ليقع فريسة مترنحة دائخة تحت جشع سكاكين الأطباء عديمي الرحمة ويمضي الأمر كذلك وبمتوالية أو متتالية هندسية إلى قيام الساعة. فأزمة الأوراق الثبوتية هذه لن تكون استثناءً أبداً ففي نهاية المطاف ستتم مضاعفة الرسوم لإستخراج تلك الأوراق للهروب الجماعي من هذا البلد الذي لا تنتهي مآسيه وهذا ما يريده حكام هذا العصر عسكراً كانوا ام مدنيون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة