أوردت روسيا اليوم خبر عن محمد الفكي أن البرهان كلف بانشاء مفوضيتين للانتخابات والدستور.. والحق أن هذا تكرار لمنهج الأنظمة الدكتاتورية (بلا أي شك). لقد كتبنا في عهد الكيزان مقالاً وضحنا فيه أكذوبة الدساتير في السودان، منذ دستور نميري الدائم (الذي لم يدم) وحتى دستور ٢٠٠٥، ونضيف:حتى ما يسمى اليوم بالوثيقة الدستورية. هذه كلها أوهام في أوهام، لشرعنة أنظمة بلا شرعية. وذلك لأن هناك عدم فهم أو (استغباء) لمعنى الدستور. الدساتير ليست ذات أهمية في ذاتها، فهناك دول كبريطانيا مارست الفعل الدستوري دون أن يكون لها دستور، فالعبرة هي في التفاعل الدستوري في الدولة وليس كتابة دستور. هذا التفاعل لا ينشأ عن مفوضيات صناعية، بل عن جلوس كل القوى السياسية على طاولة واسعة للحوار والتفاوض، ثم تشكيل تلك المفوضية بعد ذلك من اجتماع كل الإرادات لصياغة ما اتفقت عليه تلك الإرادات. أن يقوم البرهان بانشاء مفوضية للدستور هي بداية استحواذية أحادية (لا يخدعنا فيها المكون الوهمي (المدني) لما يسمى بمجلس السيادة)، فالآن عرف كل الشعب أن هذا المكون لا يعبر عن جِماع إرادات الشعب السوداني. بل ثبت أن هذا المكون ما هو إلا واجهة هزيلة لشرعنة الحكم العسكري. إذاً؛ فهذه المفوضية ستولد ميتة رغم ما ستحاط به من بروبغندا وتلميع إعلامي، ثم ستفشل حتى لو تم كتابة أي (ورجغة) وتسميتها دستوراً. قلنا عشرات المرات أن أي طفل يستطيع اليوم أن يكتب أفضل الدساتير عبر الدخول إلى قوقل وانتقاء مواد دستورية كنموذج من دساتير دول أخرى. فهذه ليست معضلة كبرى. غير أن الدستور ليس عملية كتابة أو صياغة، بل الدستور يجب أن يكون عنواناً لاتفاقات واسعة بين مكونات الشعب، عبر مؤتمر جامع لكي يكون هناك دستوراً حقيقياً وليس دستوراً يوصف بالدائم وهو غير دائم. فقهاء القانون الدستوري يعرفون الدستور بأنه مجموعة القواعد القانونية العليا التي تنظم العلاقات بين مؤسسات الدولة وبينها وبين المواطنين، وغير ذلك من تعريفات أكاديمية، فالحقيقة أن الدستور في حقيقته هو حلول متفق عليها حول جدليات جوهرية بين مكونات الشعوب ذات التوجهات المختلفة، وإجابات لأسئلة يتم منحها قوة إنفاذ عليا لأن الشعب كله قد اتفق حولها. تكوين المفوضية هذا هو التفاف على ضرورة حدوث المؤتمر القومي الجامع قبل انشاء مفوضية تهيمن على القرار وتعطي وتمنع، وتدير بحسب هواها عملية وضع قواعد تسمى كذباً بالدستور. القوى السياسية الحقيقية (الثوار في الشارع) أصبحوا يعلمون بأن المكون المدني لا يمثلهم، وبأن المكون العسكري هو المهيمن، وبالتالي انتفت أي قوة لما يسمى بالوثيقة الدستورية التي ثبت ضعفها (شكلاً وموضوعاً)، وثبت قبل ذلك بطلانها ومن ثم بطلان أي أثر قانوني تحاول إحداثه. فما ترتب على باطل فهو باطل. وأن هذه الوثيقة عطاء من لا يملك (المكون العسكري) لمن لا يستحق (مجموعة متسلقين ومنتفعين مزيفين). وإذا كان البرهان يصر على استمرار لعبته تلك في أيهام الناس بدموقراطية كاذبة ودساتير أحادية، وممارسات إقصائية، فأعيدو البشير إلى الحكم، فقد ذهبت أرواح الشهداء سُدى حقاً وحقيقة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة