مبادرة دعم حمدوك، التي التف حولها التماسيح من عهد الكيزان وتبرع فيها ابراهيم الشيخ بمليون دولار كسبها من عمله مع الكيزان (ايام التمكين)، لم توصم بالفساد، أنا حتى الآن لم أفهم الفرق بين ما فعله اردول وما فعله حمدوك، ففي النهاية لم نعرف أين ذهبت أموال مبادرة دعم حمدوك. وهل دخلت وزارة المالية، أم لم تدخل، ولا نعرف اين ذهبت أموال جنيه حمدوك، التي اشتغلت فيها اجهزة المخابرات بمنصة الكترونية بحيث كل ثانية كنا نرى آلاف الدولارات تتدفق كارقام متسلسلة. وعلى أية حال فنحن لم نسأل بعد تلك الأسئلة الجوهرية: هل دخلت مبادرة جنيه حمدوك الأولى ومبادرة دعم حمدوك الثانية لخزنة وزارة المالية أم لم تدخل؟ وهل استلمها حمدوك بالفعل أم كانت وهمة لتلميع حمدوك كالعادة؟ وهل استفاد منها السودان أم لم يستفد؟ وكم محصلتها النهائية؟ لا أرى فرقاً بين ما فعله انصار حمدوك وما فعله اردول، غير أن الأخير لم يجد دعماً إعلامياً يجعل فعله غير المشروع مشروعاً كما حدث لحمدوك. الخطر في التبرعات التي قدمها تماسيح الكيزان السابقين الجدد، هي أنهم استخدموها ليحصلوا بالتاكيد على مقابل، ما هو هذا المقابل؟ المقابل هو النفوذ ومن ثم العودة لفكرة التمكين الاقتصادي، وهذا نفس ما فعله البشير، في المؤتمر الأول الذي دعا فيه رجال الأعمال لدعم ثورة الإنقاذ، ومن رفض من رجال الأعمال أصحاب المبادئ (الأغبياء) تم تدميرهم وسحقهم. ويبدو أن تحالف رأس المال مع السلطة المهيمنة في السودان قضية تاريخية منذ عهد الاستعمار، حيث تحالفت البيوتات الطائفية الرأسمالية مع الإنجليز لتحافظ على مصالحها ونفوذها، وذات الأمر حدث طوال الحقب اللاحقة للاستقلال، حتى حمدوك. أما أردول الغلبان، فهو الذي تسرع قليلاً في القيام بذلك، لأن فهمه للواقع الإجتماعي لم يكن واسعاً بحيث يعي الفروقات والتباينات الثقافية والإثنية ومستوى القوة السائدة في الدولة السودانية، المحتكِرة للإعلام والسياسة والمال والسلاح. سأفكر كثيراً في هذه التباينات، لفهم الواقع أكثر وأكثر، ومن ثم تحليله والبناء عليه لاستشعار المستقبل. فطوال العقود السبعة للدولة السودانية، كانت (الأنظمة) تشرعن لجرائمها، وكان الشعب ينساق وراء تلك الشرعية الكذوبة، بحيث أن الانخداع لا ينطلي فقط على العوام، بل حتى على القانونيين الضليعين، وبعض القانونيين، أو أغلبهم يتبعون التيار العام بلا مقاومة، بل على العكس، إذ يمثل صمتهم قائداً للأقل وعياً بعدم شرعية تلك الجرائم. إنه صمت الشيطان الأخرس. أما القلة النادرة التي كانت تتحدث -كما فعلنا نحن- كانت تتعرض للقمع والتهميش، مع ملاحظة، أن ما لا يتماشى مع هوى الجماعة الحاكمة ومنتميها، يتعرض للقمع مباشرة، (إلا إذا) ... إلا إذا اختلف اللصوص، فأظهروا المسروق (نادر العبيد وصحبه)، (الكودة والمتعافي)، ( أكرم كرونا ووأعدائه)، (اردول والشماليين)،..الخ. هنا فقط يمكن لمن يتحدث أن يصبح صوته مسموعاً. لذلك سمعنا وسنسمع أصواتا كثيرة تعلوا في تلك الحالات، صحفيين وسياسيين وقانونيين وخلافه. إن المسألة في الواقع والحقيقة ليست حقوقية، بل تصفية حسابات من طبيعة خاصة. فلنعد إلى نادر العبيد، الذي تم تداول فيديو فساده مع المرأتين على نطاق واسع، وهو يكشف -بعفوية- فساد الآخرين معه. فما الذي حدث؟ لم نسمع بالأمر بعد ذلك، رغم أن نادر العبيد حاول الانتقام من الفاسدين الآخرين بتسجيل فيديوهات وخلافه، لكن كل محاولاته في إثارة الرأي العام لم تجد استجابة؟ هذا لأن الفئة التي تسيطر على الثروة والسلطة وأتباعها لا ترغب في نشر الفضائح والغسيل الوسخ. هكذا نستطيع أن نقول بأن كل من يكتب في السودان إنما يكتب بدوافع إنتقامية هجومية، وليس من باب الحقوق والقانون والصالح العام. وحين تتم إثارة الميديا بموضوع ما، مهما كان تافهاً فعلينا أن نفكر في الدوافع التي تختفي خلف البروباغندا. هناك تحالفان في الحقيقة، تحالف بين أصحاب المصالح المباشرة (مالكي السلاح والثروة) وأصحاب المصالح غير المباشرة (اصحاب المخاوف الإثنية). وهو تحالف متبادل، يتحرك في اتجاهين متقابلين، ككرة المضرب. وهو تحالف غير مرئي، لكنه مُبرم بشكل عرفي، سنرى بعضه في بعض الأغنيات النسائية مثل: (الجيش جيشنا، ونحن أهلو ، وبنستاهلو). هناك إحساس عام لديهم بالأحقية في السلطة والثروة، وهكذا ينشأ التحالف من مخاوف فقد الميزات المتوهمة التي ترقص في العقل الباطن. وهذا التحالف هو نفسه الذي يجعل مقتل شخص من هؤلاء جريمة لا تغتفر، في حين يلفهم الصمت في إبادات جماعية كاملة الوحشية عند غيرهم. وهذا ما يجعل من فعل أردول جريمة لا تغتفر، ومن فسادهم فعلاً مشروعاً أو على الأقل يجب السكوت عنه. إنني درست الشخصية السودانية عن كثب، بالملاحظة الدقيقة طوال ثلاثة عشر عاماً، عشتها هنا، واستصحبت السنوات الماضية التي قضيتها قبل الهجرة المؤقتة أيضاً لأفهم الماضي، وربطت بين كل الوقائع، في الماضي والحاضر، وخرجت بنتائج مذهلة، ومخيفة في نفس الوقت. لقد ساعدني ذلك في التنبوء الدقيق بكل ما حدث طوال السنوات الماضية، وما حدث قبل وبعد الثورة، إذ أنني لا اتنبأ بالوقائع والأحداث المحضة (فهذه مسألة غيبية) بل أتنبأ بردود الأفعال التي تقود إلى التنبوء بالوقائع والأحداث. بت بالفعل أعرف كل ما سيحدث غداً، لأن جغرافيا السلوك الجماهيري ترابطت بقوة في ذهني. حتى لكأنني أرى أمامي (بطول) سنوات وعقود.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست