هناك انتقادات وجهت للمرافق العامة من قبل الليبراليين. يرى هؤلاء أن التعليم المجاني لا يخدم الفقراء بل الأغنياء، إذ يمتلك أبناء الأغنياء المعينات الداعمة لهم خلال دراستهم مع الفقراء في المدارس الحكومية، مثل المدرسين الخصوصيين، وتوفر الطعام والشراب والنقل. بالمثل يستفيد الأغنياء من مرفق القضاء، إذ يتمتع الغني بالقدرة على توكيل عشرات المحامين، في حين تكفل الحكومة توكيل محامين غير أكفاء لغير القادرين على دفع أتعاب المحامين الكبار، ولا تجد قضايا الفقراء الاهتمام من محام تم توكيله من قبل الحكومة. ذات الأمر بالنسبة للصحة وغيرها، وأضيف كذلك الدموقراطية. فالدموقراطية ومن خلال التجارب التي عايشتها في دولة كالسودان، هي افشل نظام اختيار للرؤساء. حتى التجارب الانتخابية المزيفة أثبتت ذلك. فالانتخابات ليست سوى تلميع إعلامي والتلميع الإعلامي يحتاج لمال، والمال عند الرأسماليين، والرأسماليون ترتبط مصالحهم بالأنظمة الحاكمة. في انتخابات ٢٠١٥ على ما أتذكر ترشح بعض العلماء والخبراء إلى جانب الرجرجة والدهماء، ولا أحد من هؤلاء استطاع أن يصل إلى مسامع الشعب. ليس لأن هناك تكتيم إعلامي، بل لأنهم لم يملكوا المال الكافي للوصول إلى الشعب. في المقابل، استطاع جهاز الأمن وبسهولة تلميع حمدوك في يوم واحد فقط، حينما نشر في كل وسائل الإعلام رفض قبوله وزارة المالية، ولم يكن هناك أحد يعرف من هو حمدوك. وهكذا فالدموقراطية لا تؤدي إلى اختيار الأفضل، بل تؤدي إلى اختيار من ترغب القوى الرأسمالية المتحالفة مع السلطة في وصوله لمسامع الشعب. لا تعمل الانتخابات على توجيه الشعوب إلى الأفضل، بل تخاطب عواطفهم باستبسال. وسنجد أن العاطفة الطائفية قوضت انتخابات الدموقراطيات الثلاث السابقة، لأنها أقصت أصحاب الخبرات والصادقين. إذ أن هؤلاء لا يملكون المال الكافي لمناكفة الرموز الدينية. والرموز الدينية نفسها صنعها الاستعمارين البريطاني والمصري، وامتدت الصناعة بعد إسقاط الطرح الدينوي مؤخراً، وسيكون الاعتماد على المال إلى أقصى درجة في تصدير عشرات الحمدوكات طوال السنوات القادمة. إن تحالف (المال والسلاح) الحالي، مع سطوة وهيمنة دول أخرى، يعني أننا سنشهد في الغالب انتخابات نزيهة ظاهرياً ولكنها انتخابات موجهة بالمال، عبر رأسمالية الداخل. الشعوب البائسة: إن الشعوب بائسة جداً، دعنا نؤمِّن على أن هناك بردايم لمنهج تفكير جمعي، لا يمكن إنكاره. هكذا قال جوستاف لوبون وأكده فرويد. ومنهج التفكير الجمعي هو منهج إلتهابي، إذ يكفي أن توقد شرارة قرب البنزين لتشتعل النار. هذه الشرارة يوقدها أصحاب المصلحة وهم أيضاً من يطفؤنها. فهي بيدهم، أي أن العقل الجمعي بيدهم. وهذا في حد ذاته ينفي أي قيمة للدموقراطية والعملية الانتخابية كمظهر لها. إن التداول السلمي للسلطة فوقي، يتم طبخ وصفته بالأعلى، ويتم وضع إنائه على نار القاعدة. فالدموقراطية ليست نظاماً فاشلاً فقط؛ بل هي نظام أكثر قمعية من الدكتاتورية المباشرة. فالدكتاتورية واضحة ومكشوفة وقابلة للطعن فيها والتأثير عليها وتخويفها، أما الدموقراطية، فهي ملكية خاصة جدا، تتخفي وراءها دكتاتورية المال، توجهها وتعزز خيالاتها المزيفة في أدمغة الشعوب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة