منذ سقوط البشير، وأنا أحاول أن أفهم موقع العسكر من الإعراب. لم أجد حتى الآن أدنى مبرر لوجود عساكر في الحكم الإنتقالي. وأعتقد أنه قد حان الوقت لكي يسلم البرهان وباقي جوقة المجلس العسكري السلطة لحمدوك، ويتراجع البرهان كوزير دفاع تحت قيادة مدنية. هل هناك أي مبرر منطقي ينزع المنطق عما أقول؟ لا أعتقد. الملفات كلها يجب أن تكون بيد رئيس الوزراء، ولا أحد يحدثني عن ما يسمى بالوثيقة الدستورية. فأنا أتحدث عن المنطق لا عن فرض الأمر الواقع بالقوة؟ هل يريد البرهان حماية أشخاص معينين ببقائه على سدة الحكم؟ إذا قال: لا نقول له: إذاً؛ سلم مهامك فوراً لحمدوك. هل الجيش لا يستطيع أن يقبل أوامر من وزير الدفاع، الذي ينضوي تحت السلطة التنفيذية المدنية؟ إذا كانت الإجابة: لا.. إذا: سلم السلطة فوراً لحمدوك.. لا زال وجود جوقة المجلس العسكري غير منطقية. لو قالوا بأنهم يمسكون بملف السلام؟ فمن قال أن ملف السلام يجب أن يمسكه العسكر؟ العساكر يجب أن ينفذوا سياسات الحكومة المدنية الإنتقالية وليس العكس، بما في ذلك ملف السلام. بل أن إمساك العساكر بملف السلام أحد أكثر معرقلات تحرك هذا الملف إلى الأمام. لأن الحركات المسلحة كانت تحارب الجيش وليس الحكومة المدنية، وبالتالي فلا يمكن أن يمسك خصمها بملف السلام. الأهم من ذلك، أنه عندما تقوم حكومة مدنية بالتعامل مع ملف السلام، فهي ستكون معبرة عن الرؤية القومية للدولة، تلك الرؤية التي يتم رسم السياسات المستقبلية بناءً عليها. في حين أن إمساك العسكر بالملف، إنما يعبر عن رؤية (خصم) لخصم. وسلاح ضد سلاح. وليست رؤية مؤسسة على بناء علمي يستصحب المآسي التاريخية وضحايا الحرب. لذلك لا أجد اي مبرر لبقاء العسكر في ما يسمى كذبا ب(مجلس السيادة). لقد قدمنا طعناً دستورياً منذ أول وهلة لاستئثار العسكر بالسلطة، لأننا كنا نعلم أنه لا مبرر لكي يقوم العسكر بمنح السلطة أو منعها من أحد. فهو منح من لا يملك لمن لا يستحق. أو هو مثل بيع ملك الغير من فضولي. من ناحية قانونية ودستورية (الأعراف الدستورية وليس وثيقة الدمورية القحاطية)؛ فلا يجوز لا قانوناً ولا دستورياً أن يتسنم المجلس العسكري السلطة (لا خمسة زائد خمسة ولا واحد زايد صفر). فالمجلس العسكري يجب أن يقبع تحت وزارة الدفاع، ووزارة الدفاع مثلها مثل وزارة الصخة أو وزارة التخطيط العمراني او وزارة السياحة، مكانها تحت قيادة الحكومة المدنية. وسيكون من المستغرب جداً -بل من المدهش- أن تقوم وزارة كوزارة البيئة مثلاً- بتكوين مجلس بيئي، وتتقلد منصب رئيس السلطة السيادية في الدولة. فما الفرق بينها وبين وزارة الدفاع؟ لا أعرف؟ على السيد البرهان أن يوضح لنا كمواطنين، المبرر المنطقي الذي يجعل الجيش يترأس حكومة فترة انتقالية؟ هل البندقية مثلاً أهم من القلم؟ وإذا كانت البندقية أهم من القلم؛ فهل من المحظور عليها أن تخضع لقرارات حكومة مدنية مثل باقي دول العالم؟ لا زال سؤالي للبرهان: ما مبررك لتسلط الجيش على الحكم؟ وسنظل نسأل البرهان: هل لو اصبحت وزير دفاع، تحت سلطة تنفيذية سيكون من الصعب على الجيش أداء مهامه؟ قاعدين ليه؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة