الحكم الذي صدر على الجاني أشرف الطيب عبد المطلب،قاتل الشهيد طالب الطب:حسن محمد عمر- بإعدامه شنقا قصاصا وتعزيرا- جاء ضافياً مسببا تسبيبا اساسه عناصر الوقائع المثبتة بالبينات المباشرة والظرفية المعضدة لبعضها.مطبقاً عليها النصوص الجنائية والسوابق القضائية،مما يؤكد ان القاضي قد بذل جهدا يستحق الاحترام والتقدير،ويؤكد،في الوقت ذاته،أن القضاء السوداني قادر على محاكمة من أجرم وسفك دم الأبرياء من عناصر النظام المخلوع،ووقد سبق أن أدان القضاء وحكم بالإعدام على عدد سبعة وعشرين عنصراً من عناصر الأمن لتعذيبهم حتى الموت الأستاذ/ أحمد خير،وكذلك تجري محاكمة نائب الرئيس المخلوع بكري حسن صالح عن إتهامه بالتوجيه بالافراج عن شخص محكوم عليه ومحجوز بسجن كوبر—واستعداد القضاء السوداني لمحاكمة من أجرموا،بصفتهم السياسية ومن خلال مواقعهم القيادية،تظهر واضحة، أيضا، في مثول مدبري ومنفذي انقلاب 30/يونيو 1989—وأيضاً تجري محاكمه على عثمان محمد طه وآخرين أمام جنايات جرائم الفساد ومخالفات المال العام ، على ذمة اتهامهم بخيانة الأمانة ومخالفة قانون الإجراءات المالية والمحاسبية،في قضية منظمة العون الإنساني.هذا استطراد تذكيرا لمن يعولون على المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة المتهمين بإرتكاب جرائم بدارفور،متجاهلين أن القضاء الوطني هو صاحب الاختصاص في نظرها،والمحكمة الجنائية الدولية-هي استثناء في حال عدم رغبة القضاء الوطني او عجزه في بدء المحاكمة. القضاء السوداني مؤهل لهذه المحاكمات-كما أن السلطة السياسية أكدت رغبتها في محاكمة المتهمين بالجرائم المذكورة وأكدت قدرة القضاء السوداني واستقلاليته في نظر التهم الموجهة للرئيس المخلوع والآخرين الذين طلبت المحكمة الجنائية الدولية توقيفهم.فلماذا الإنتقاص من مظاهر سيادة الدولة على مواطنيها والتنازل عن إختصاص القضاء الوطني في محاكمة مواطنين سودانيين.أصحاب هذا الرأي للتغيير الذي حدث وكفل سيادة حكم القانون واستقلالية القضاء!. نعود إلى محاكمة قاتل الشهيد حسن محمد عمر. في أسانيد الحكم تعرض لعلاقة المدان بجهاز المخابرات حين أوردت المحكمة أن الدفاع فشل في أن يؤكد أن المتهم متعاقد مع جهاز الأمن، وشددت المحكمة على أن المتهم لا يستفيد من أية ظروف مخففة للحكم لتحيل الاتهام من القتل العمد إلى شبه العمد. وذكرت المحكمة إلى أن الثابت لديها أن وقت ارتكاب المتهم للجريمة لا علاقة له بجهاز المخابرات العامة وأن الجهاز تبرأ منه (براءة الذئب من دم ابن يعقوب)، وذكر القاضي في حيثيات الحكم أنه (إذا افترضنا تبعية المتهم للجهاز فإن ذلك لا يعطيه الحق البتة في حمل السلاح وإطلاق النار على المتظاهرين وقتل الشهيد بتلك الوحشية التي تنم عن سوء نية)، وقد ورد في قرار المحكمة أن شاهد الدفاع الثاني ذكر أن المتهم متعاون مع جهاز المخابرات وليست لديه صلاحية لاستخدام السلاح إنما جمع المعلومات فقط". رغم صحة التكييف القانوني الذي توصلت إليه المحكمة،من عدم استفادة المتهم من الاستثناء الذي نصت عليه المادة (131/1)أ/ التي تخفف القتل من عمد الى شبه عمد في "حال كان الجاني موظفا عاما او شخص مكلف بخدمة عامة،وتجاوز بحسن نية حدود السلطة المخولة له قانونا،وكان يعتقد بأن فعله،الذي سبب الموت،ضروري لتأدية واجبه"- لأن ما قام به المتهم من اطلاق نار على المتظاهرين، هو عمل غير مخول به قانونا،ولم يكن اطلاق النار ضروريا لفض التظاهر....الخ. رغم صحة كل هذا التسبيب،فهل جهاز المخابرات بريء "براءة الذئب من دم ابن يعقوب"على حد وصف المحكمة في حيثياتها- أرى مثل هذا الاستنتاج لا يوجد ما يسنده من وقائع مستقلة عن الخطاب الذي قدمه جهاز المخابرات للنيابة عند طلبها الإذن لمحاكمة المتهم،والذي نفى فيه الجهاز صلة المتهم به،في حين أوردت المحكمة أن شاهد الدفاع الثاني أفاد بأن المتهم متعاون مع جهاز المخابرات.وما يضعف (تنصل) الجهاز من صلته بالمتهم الوقائع التالي: من أين وكيف حصل المتهم على الكلانشنكوف،من الذي سلمه هذا السلاح بطلقاته المميتة؟.وبعد إطلاق المتهم النار وتسبيبه الموت والرعب للمتظاهرين،هل اتخذ جهاز المخابرات أي إجراء ضد المتهم بإعتباره لا يمت للجهاز بصلة؟،لماذا لم يقبض الجهاز على المتهم لأنه لا صلة له بالجهاز وحصل على السلاح المميت خلسة! وتسبيبه الموت لأحد المتظاهرين؟ فإن كان سارقا للسلاح المميت وتصرف دون توجيه أو موافقة من أي جهة،لماذا لم تتخذ ضده الإجراءات بواسطة المخابرات،خاصة بعد أن فاضت روح الشهيد بعد (17) يوم؟. هذه الاسئلة كانت جديرة بأن تجعل المحكمة تُعيد ملف القضية للنيابة لاستكمال التحري مع قيادة جهاز المخابرات بغرض الوصول لتوجيه تُهم لأي قيادات او عناصر من جهاز المخابرات تحت مواد الفصل الثاني من القانون الجنائي لسنة 1991،وهي الاشتراك الجنائي (م22) والتحريض(م/25):وهو"إغراء الشخص لغيره بإرتكاب جريمة أو أمره لشخص تحت سلطته بإرتكابها"-أو "المعاونة":(م/26) وهي"كل من يعاون على ارتكاب أي فعل يشكل جريمة بقصد تسهيل وقوعها تطبق بشأنه العقوبة المقررة للمحرض،والمحرض على ارتكاب جريمة يعد مرتكبا لتلك الجريمة إن كان حاضرا (م/25/3).هذه النصوص،والوقائع، كان الواجب أن تثيرها المحكمة بما يجعلها سببا لإعادة التحقيق والتحري: فمن سهل وساعد المتهم على ارتكاب هذه الجريمة البشعة-سواء من قيادة أو من أفراد جهاز المخابرات العامة،.وما ينشأ عن مثل هذه المساعدة من النظر في توجيه تهم: الاشتراك الجنائي والتحريض والمعاونة. إن ذكر المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي ترتكب بواسطة الموظف العام ( قوات أمن -شرطة -جيش -غيرهم)، تثير أمراً هاماً في تتبع مسؤولية القيادة عن تصرف المرؤوسين ومدى تقيد المرؤوسين بتعليمات القيادة،ومدى مسؤولية المرؤوسين في تنفيذهم أو إمتناعهم عن تنفيذ أوامر الرئيس/القيادة في حال اتفاقها أو مخالفتها وانتهاكها للحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في القانون الوطني والمواثيق الدولية.وهذا موضوع آخر يكتسب أهميته من أن الإنتهاكات والجرائم التي ترتكب ضد المدنين المتظاهرين أو المحتجزين،تتزايد بما يجعل توضيح هذه المسؤولية الجنائية الشخصية أمرا ضرورياً عند إجراء المحاكمات والإدانات التي تصل عقوبتها الإعدام أو السجن لسنوات طويلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أحمد حمزة أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست