من مؤشِرات ما يبدو من بصيصِ ضوء في آخر النفق ، ما تم بالأمس من إنتصار للعدالة في أسمى وأزهى معانيها عبر صدور قرار المحكمة النهائي على المجرم / أشرف الطيب عبد المطلب أحمد الشهير بـ (أب جيقه) ، بالإعدام شنقاً حتى الموت لإدانته بالإعتراف والشواهد والشهود والوقائع بقتل الشهيد حسن عمر أحمد الطالب بكلية الطب في جامعة البيان والذي كان يؤم مظاهرة تدعو للحرية والإنعتاق من حكم الطاغية وزبانيته ودوائر الفساد التي أغلقت أبواب الصبر على البلاد والعباد في ذلك الزمان الأغبر من تاريخنا ، وبالرغم من الإحباطات التي أحاطت بجماهير ثورة ديسمبر المجيدة في نطاق ملف تحقيق العدالة والقصاص لشهداء الثورة ، خصوصاً ما لازم لجنة التحقيق في مجذرة القيادة العامة من تباطوء وتواطوء وتسويف ، فضلاً عن ضنها على الرأي العام بالمعلومات في ما يطرأ على أعمالها من تطورَّات ، إلا أن مُجرَّد إصدار الحكم بالإعدام على قاتلي الشهيد أحمد الخير من منسوبي جهاز الأمن المحلول قبل أشهرٍ مضت ، وما صدر من حُكم بالأمس على الهالك أشرف الطيب الشهير بـ (أب جيقة) ، فيه ما يُثلج الصدور ويدفع بالأمل في قلوب أولياء الدم ومُناصيرهم من الثوار ، وفيه أيضاً ما يُشير إلى (تبلوُّر) منظومة عدلية جديدة ، تقوم على النزاهة والوعي والإنحياز المُطلق للحق والحقيقة ، وهذا من وجهة نظري بابٌ غير مُوارى يمكن لكل مظلوم أن يُدلُف منه بلا خوف ولا وَجَلْ ليجد خلفهُ ما ينشد من إنصاف وحماية من الطغيان والصلف السلطوي.
أن تُقرِّرعدالة المحكمة الموقَّرة إعدام المذكور ، هو في الحقيقة أمرٌ يتجاوز في تأثيراتهِ الإيجابية مُجرَّد فضيلة نُصرة المظلوم على الظالم ، لأنه يؤسِّس بكل فعالية لبناء مجموعة من القيَّم الأخلاقية والإنسانية التي إتفق العالم حولها عبر تاريخٍ مديدٍ من التجارُب التي أفضت في النهاية إلى أن الشعوب وحدها من تمتلك حق السيادة على الأوطان ، وما خلاها كلهُ مُجرَّد (خُدام) مُسخرين لتحقيق المصلحة الجماعية ، هو درسٌ يجب أن يتعلَّم منهُ شبابنا أن الدفاع والإستماته في نصرة سُلطة ظالمة لا محالة مآلهُ الهلاك الذي لا يجروء أحدٌ على الشفاعة فيه حتى أولئك الذين أُزهقت الدماء ولاءاً لهُم ، وهو أيضاً درسٌ في الإقتناع بأن الحق لا يخبو نورهُ الوضَّاء ولو طال الزمان ، لأنهُ في نهاية الأمر لا محالة قادم ، قال تعالى (وقُل جاء الحق وزُهِق الباطل إن الباطل كان زهوقا) الآية 81 – الإسراء.
ليظل باب الإصلاح في المنظومة العدلية السودانية مفتوحاً بالتجريب والتدريب والعزيمة والصبر والرغبة الأكيدة عند الشُرفاء من منسوبيها في التغيير ، إستهدافاً لإعادة ثقة المواطن السوداني في هيئاته العدلية المُستقلة التي تحفظ حقوقهُ جميعاً وفي مقدمتها وطنهُ وروحهُ وكرامتهُ وبدنهُ وما يملك من حُطام الدنيا ، فإذا إنتفت نعمة العدالة والمساواة والثقة في السُلطات العدلية ، لن يكون هناك معنى للأمن والرفاهية والعافية والعلم والتنمية ، إذ تبقى كلها منقوصة وغير مُستطعمة ولا محمية من تغوُّل الطُغاة والفاسدين والمأجورين والخونة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة