بالرغم من اغترابي لسنواتٍ عددا عن بلدي ، الاّ ان هاجسي الدائم هو السؤال الملّح الذي يدور في أم رأسي: ( ماذا أفعل عندما أرجع الى بلدي؟ كيف أعيش؟ هذا ان بقى في العمر بقيّة؟ .) . وتبقى الاجابات الخالدة هي شراء أرض وبناءها والاستفادة من ايجارها للعيش ،او قل تأجيرها شقق مفروشة للعرسان ،أو العودة بسيارة للعمل فيها كسائق أجرة ، أو شراء رقشة أو دفار . وظنّي ان هذا هو الحل لدى الكثير من المغتربين مثلي أن لم يفكّر الكثيرون في الاغتراب والهجرة لمسافات أبعد الى استراليا وكندا وماوراء الشمس. وربما فسّر ذلك غلاء الأرض والعقار والسيارات في السودان ،لأنّ هذا هو المتاح في السودان ببساطة شديدة دوناً عن سائر أشكال الاستثمارات الأخرى. وانا هنا لا أسأل عن دور جهاز شؤون العاملين بالخارج الذي صار جزءً من وزارة الداخلية بحكم مواقعهم الحديثة وجباية أفراد الداخلية لأموال جهاز شؤون المغتربين بالاصالة لا بالنيابة. فجهاز شؤون المغتربين الذي لادور له في حياتنا كمغتربين سوى دور الجابي لأموالنا ليس شريكاً في هواجسنا ومشاكلنا ولكنّه شريكاً في جيوبنا فقط وهذه بئس الشراكة. يكون الاغتراب مفيداً عندما أغترب عن بلدي لعدد محدود من السنوات ثم أعود بمشروع استثماري أعيش على دخل انتاجه وارباحه بقيّة حياتي ، اتمتع بخير هذا المشروع انا واهلي وجيرتي ويستفيد من انتاجه مواطنو بلدي. أسعد بالانجاز وبالانتاج وينمو ويزدهر الانتاج وتتوسّع الأعمال ويتم تصدير الانتاج فتعود العملة الحرّة بالنفع على البلد وأهله جميعاً. أكون بهذا المشروع الاستثماري الصغير المحدود قدوة لبقيّة الشباب والناس من حولي لعمل شيء مماثل. تنتشر المشاريع الاستثمارية الصغيرة فيزيد الانتاج الاسري والعائلي والشبابي وتتوسّع المشاريع وقد تمتد الى خارج الحدود .تزيد الثقة في النفس بالانجاز الشخصي ، والعائلي ،ويتم تجويد الانجاز كل مرة بعد مرّة ، وتنمو الثقة في الوطن ومواطنيه وتنمو الثقة في الانتاج المحلي،وتزداد الثقة في امكانية تسويق المنتج المحلي للخارج . وقبل ان أفلق زجاجة السمن بعصاتي، أسأل نفسي لماذا لا يوجد الاّ حلّ واحد للمشكلة المتأصلة في نافوخي الخرب هذا؟ . شراء ارض ، بناءها ، ايجارها ، والعيش علي ريعها للممات؟.مع وجود حلول كثيرة ممكنة في هذا العالم الواسع حولنا؟ بنوكنا وشركاتنا المحليّة ورأس المال السوداني وحتى الجمعيات الخيرية وقل صندوق الزكاة (واستخرج من كل ذلك جهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج لأنّه يعرض خارج الحلبة) ليس لديها تفكير خارج الصندوق .فمع كثرة الشباب المنتظرين لوظيفة ،ومع كثرة المشاريع الصناعية الصغيرة التي تقل تكلفتها عن 6000 دولار ،والتي تعرض في المعارض الصناعية الصينية سنوياً ، وتستطيع هذه البنوك شراؤها واستجلابها ،الاّ أنّها لا تفعل.لماذا؟ . هناك الكثير من المشاريع الصناعية الصغيرة ، ابتداءً من عصر الحبوب الزيتية الى عصر الطماطم وصناعة الصلصة والكاتشب وعصائر الفواكه المختلفة وتعبئتها وصناعة الفشار والبطاطس واليات النجارة والحدادة واليات اعادة التدوير للمنتجات الورقية والبلاستيكية والزراعية وماكينات صناعة العبوات الورقية والبلاستيكية وماكينات الخياطة وآليات صناعة القهوة والشاي وغيرها الكثير المثير (اليوتيوب مليء بمثل هذه المنتجات) . يمكن للبنوك ورأس المال السوداني استيرادها و أن تموّل شراؤها عبر شركات تابعة للبنوك وتؤهل الشباب الراغبين على استخدام الاليات الصناعية الصغيرة وتوفّر لهم قطع الغيار وتدير ورش صيانة متخصّصة متى ما أرادوا ذلك. فأسأل الله أن يهدي بنوكنا للاستثمار في شبابنا ومغتربينا وأسرنا السودانية بتوفير وسائل الانتاج الصناعية الصغيرة لهم وتمكينهم من البدء في الصناعة الصغيرة والانجاز والانتاج وزيادة ثقتهم في أنفسهم برؤية انتاجهم وانجازهم ، فحركة الانتاج الكبيرة تبدأ منهم ولا يضطروا لاختراع عجلة الاغتراب مرّة اخرى. علي أبوزيد 24.6.2021 * استدراك:مصطلح تمكين ليس حكراً على جهةٍ ما وآن لنا أن نستخدمه على وجهه الصحيح.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة