1 مصر يا أخت بلادي 1 – الخلفية الإستعمارية لحاضر مصر والسودان وكيف رفعها من المواجهات 2 – التكامل بين مصر والسودان: كيف يجب إستقامته 1 – الخلفية الإستعمارية (لحاضر مصر والسودان وكيف رفعها من المواجهات)
بقلم – لندن – بريطانيا حضر جيلنا ماضي مصر والسودان القريب وحاضرهما البعيد... ما ضيهما القريب عندما كان فاروق، ثم فؤاد، ملكاً لمصر والسودان في نهايات الوصاية العثمانية ثم البريطانية على مصر في حكم المماليك والإستعمار البريطاني، دولةً بحقوق إستعمارية تركية في غانا والسودان، تحت الوصاية العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى عندما خرجت مصر من الوصاية العثمانية وظلت مستعمره تحت التاج البريطاني الذي استقلت منه بعد استقلال السودان، والذي كان قد رسّم حدود غانا والسودان ومصر. وحاضرهما البعيد الذي بدأ منذ قيام تنظيم الضباط الأحرار بمصر برئاسة المقدم جمال عبد الناصر، ثم الترتيب لثورة 23 يوليو باستقطاب اللواء محمد نجيب رئيساً للتنظيم بعد تنازل عبد الناصر له، كما وتنصيب فؤاد ملكاً على مصر حال عزل الملك فاروق. بعد نجاح الثورة ثم عزل نجيب ووضعه في اعتقال منزلي. كان نجيب نصف سوداني وولد وتربى هناك، ويرى أن تكون مصر والسودان دولة واحدة، وزاره السودانيون في مصر بعد فكه من الأسر المنزلي وواصل معهم في ذات السعي بينما يرى عبد الناصر منح السودان إستقلاله من مصر وبريطانيا. وفي رحلة نجيب للسودان أول مارس 1954 للتحدث للبرلمان السوداني، قام الحاكم العام بتأجيل جلسة البرلمان إلى العاشر من مارس، وإعلان الأحكام العرفية، فخرجت مظاهراتٍ هادرة تصدت لها الشرطة وتمخضت عن ضحايا كثيرين واشتهرت بأحداث مارس، التي أغضبت السودان من كلا المستعمرين، مصر وبريطانيا. ولكن عدم التكافؤ الديمقراطي بين الدولتين على إثر تلك الخلفية السياسية لإستقلال السودان، لعب دوره في مفهوم التدخل الأجنبي بين الإثنين، وأسفرت عنه إفرازات ذلك على الصحوة السياسية في السودان وتشكيلها إلى ما هي عليه اليوم من معالم. تلك الخلفية السياسية التي صحبت إستقلال السودان غمرت عاطفة نخبة الخريجين وغيّبت عنهم تماماً تطبيب نضوج الهوية السودانية المتعارك حولها، بين تذليلها للهيمنة المصرية، وبين التمسك بتعريفها تحت الوصاية البريطانية في حقوق التعدد العرقي والديني للشعب السوداني التي منحها له النظام العالمي الجديد، خاصة في تضميد فتنة تجارة الرقيق والتي أوقف الإستعمار الإنجليزي نموها بتعويق الملاحة بين الشمال والجنوب بزرع أعشاب السدود على النيل الأبيض. هكذا حُكم علي نضوج الهوية، وهي أول مرتز لتنشئة دولة بعد استقلالها، بجمود التطور الهائل المنظور خلالها وفرصة تهيئته لحسمها، فخلق طقساً عكسياً لإغراء السلطة في السودان، كدولة حرة ذات سيادةٍ هشّة، للتسرع في اتخاذ قرارات ولاءٍ قبل توحيد الدولة بهويةٍ صلبة، بارتجال تكاملٍ غير مدروس، وبتسبيب إنشقاقاتٍ من فتنةٍ غير مبررة. بدأ التكامل غير المدروس بالتهاون بخلق جمراتٍ خبيثة في السودان، بإغراق وادي حلفا بدون دراسة جادة في ما سيفقده السودان وفي البدء في غرس الفتنة بين القوميات المتعددة في السودان، وباتفاقية مياه النيل غير العادلة في حق السودان (ولا دول المنابع، والتي يدفع السودان ثمنها الآن)، وبضرب الجزيرة أبا بواسطة مصر وفاءاً للرئيس جعفر نميري طمعاً في تغليب الوحدة مع السودان. كما وأدخل شعار الجمهورية العربية المتحدة السودان مع ليبيا معمر القذافي في هذيان بوحدة مصر وليبيا والسودان والذي لم يتورع فيه القذافي من إثارة الفرقة والعرقية في إقليميه دارفور وجنوب السودان. وهنا هي الإنشقاقات بفتن غير مبررة، حيث أنه نشأت جرّاء ذلك الحركة الديمقراطية عاجزةً بانشقاقٍ كبير في الشعب السوداني، ليس عن تجاربٍ للدولة الجديدة، لا، لأن دولة السودان بحدودها الجغرافية التي استقل عليها لم تكن موجودة كدولة، بل كانت ممالك متعددة وقوميات مختلفة كما وأن قرار لورد كرومر لتصحيح تنفيذ وقف الرقيق في مصر، أدى إلى نزوح قبيلتي البقارة والتعايشة من مصر إلى بحيرة شاد، والتي منها نزحت إلى السودان. . فكانت دارفور مملكة لوحدها، والفونج مملكة لوحدها، والجنوب لم يكن كله يتبع للسودان ولا لبريطانيا، إنما نُزع جزءٌ منه من مستعمرات فرنسا بعد حادث فشودة وجزء من مستعمرة بلجيكا بعد إدانتها بتقتيل المواطنين أو ببتْر أعضائهم والتنكيل بهم، ثُم وضِع الجُزآن تحت الوصاية البريطانية، والتي عهدت بهما بريطانيا مع الجزء النيلي من الجنوب للسودان بعد اجتماعٍ عقد تحت رعايتها بجوبا عام 1947 بين أعيان من شمال السودان ومن قبائل جنوب السودان. فهل ترى كيف كان تفكيك ذلك البناء الحديث قبل نضوجه بمغامرات المصريين والعملاء السودانيين؟ كان السودان يحتاج لوحدة إثنية، أي تكامل أقليات. ولكن بالعكس كانت هناك ممارسات مظلمة في تجارة الرق وفي انتشار الفوقية العرقية والهيمنات الطائفية. وبالرغم من ريادة الإستعمار التركي إسلامياً، إلا أنه والثورة المهدية والتي كانت أيضاً ثورة إسلامية، اصطدمتا بسبب التوجّه المعيوب إسلامياً في كليهما تحت راية الإسلام. كلُّ ذلك بذر خلافاتٍ دفينة بين الشعبين المصري والسوداني، رغم أن روح التكامل بينهما كانً له وجود وظلت مصر "مكة" لكل أفراد الخدمة المدنية في السودان، للسياحة، للدراسة وللعلاج، واحتضنت المثقفين السودانيين ثقافياً وإعلامياً مما طور التقارب معها، وفي ذات الوقت عمّق الشقاق العرقي في السودان. ولم تسلم النفسية السودانية من استحلاء نجاح الإنقلاب المصري وابتداع مد ثوري وليد الثورة الروسية، بكل شكلياته، تبنى به النظام المصري نظام الحزب الواحد والقومية العربية، غيّر انقلاب يوليو العسكري لثورة يوليو رغم أنه عجز عن بناء الديمقراطية في مصر وعن تبنّي أسلوب الحوار الذي تأسست به الأمم المتحدة. وكان نصيب السودان منه وابلاً من الإنقلابات العسكرية التي فاقت الخمسةَ وعشرين. وانبنت على ذلك نرجسية عالية للعسكرتيريا، فتفجّر العالم العربي كله ثوراتٍ عسكرية يسارية وصراع بين "الثورية والعروبة" وبين "الملكية"، وتواصل تغيُّر الحكام في مصر والسودان بمواصلة العسكريتاريا أو عن طريق الإنقلابات العسكرية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة