إن ما حدث من إقالات جماعية للقضاة لا يتفق والمبادئ الدستورية ولا يتفق مع القانون. مع ذلك فالرأي عندي أنه جيد. بل أرى ان يتم إقالة كل القضاة -البتبلبل يعوم- وإعادة بناء السلطة القضية من جديد، بناء على معايير مهنية حقيقية، وفوق هذا معايير سوسيولوجية. لقد شاهدت قضاة ينتمون في الواقع من حيث سلوكهم الوظيفي لمهنة الكماسرة، وليس القضاء. أساليب هؤلاء القضاة تؤكد بدون شك أنهم نشأوا في مجتمعات فقيرة، مُحملة بثقافة الفقر والبؤس. ثقافة العنف، واستعلاء مستجدي النعمة، الذين يسقطون قسوة ماضيهم على حاضرهم. فوق ذلك جهل عميق بروح القانون، ذلك الذي تراه عندما يرفع القاضي صوته على متهم ليرعبه. أو يأمر العسكري بضرب المتهم المُغمى عليه، هذا ناهيك عن القضاة الذين يسيرون في المحكمة وهم يرتدون السفنجات، وبعضهم يضع سفته بين شلاليفه اثناء نظر الدعوى. هذا فضلاً عن التنطع والعجرفة بلا مبرر، بل واستخدام السلطة استخداماً منحرفاً عن جادة الصواب وصحيح القانون، فكم من محامٍ عانى من الحكم بسجنه أثناء اختلافه مع القاضي. والكثير من القضاة لا يقرأون ولا يبحثون، ويفتقرون لعمق الاستدلال القانوني. وفوق هذا فهم أغلبهم من جهة واحدة، فلا يوجد تنوع حقيقي في القضاء لأنه أصبح ملكية خاصة للجعليين والشوايقة. فهو مقصور على أهالي الخط النيلي من الجيلي وحتى حلفا. فوق كل هذا فلا يوجد أي إبداع في عمل القضاء. في الصفحة الرسمية للسلطة القضائية، عام ٢٠٠٥، كانوا يضعون صورة البشير كبيرة تغطي ثلث الصفحة وتحتها مكتوب: الراعي الرسمي للسلطة القضائية. وقد ضحكت حينئذ ملء شدقي. ليس لأن كلمة الراعي الرسمي ذكرتني بمونديال كأس العالم، ولكن لأن القضاء -على وجه الخصوص- هو الجهة التي يجب أن تراقب البشير ذات نفسه. وتراقب كل أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية. بل ويجب أن تحذر أيما حذر من ربط نفسها بسيطرة اي من السلطتين. واستمرت هذه الصورة لسنوات، حتى تم عمل صفحة جديدة للقضاء على ما أذكر. القضاء يحتاج لتصفيات بالفعل. ولتطوير مهني وأخلاقي، ويحتاج قبل كل شيء إلى قضاة تربوا في أسر من الطبقة الوسطى على الأقل. لأن ثقافة الفقر هي التي جرت معها كل هذا الوبال على القضاء. بل وتحول القضاء لقامع للإبداع القانوني. فهناك أستاذة محامية جمعت الأحكام القضائية واستخرجت السوابق منها ورتبت مبادئها -كما هو معمول ومسموح به في كل دول العالم- فإذا بالقضاة وقد ساءهم أن غيرهم فعل ما لم يفعله المكتب الفني للسلطة القضائية (حسادة كدة بس)، فاوغروا صدر رئيس القضاء ليصدر منشوراً أوله يناقض آخره عن الملكية الفكرية للأحكام القضائية. وقد بينا أخطاء هذا المنشور في مقال قديم. وهكذا حرموا المشتغلين بالقانون من الاستفادة من المجهود الضخم لتلك المحامية. فلا إبداع في القضاء، ولن أزيد على ذلك ببيان الإنجازات الضخمة التي كان يمكن إنجازها لو كان القضاء متمتعاً بعاملين مبدعين. لذلك القضاء لا يحتاج لإقالات، بل يحتاج لهدمه بالكامل وإعادة بنائه من جديد بصيغ جديدة، وفلسفة جديدة وعين منفتحة على كل المدارس القانونية، وتطورها منذ العصر الروماني وحتى اليوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست