مئات الأسر السودانية تخلصت من ممتلكاتها وبدأت الهجرة شمالاً إلى مصر، ويبدو أن هناك نزوعاً إلى الاستقرار في الشمال، حيث جف الضرع والفرع والزرع في الجنوب. وفي الواقع لولا الفلس للحقت بالمهاجرين، ولكن ليس إلى مصر بل إلى أبعد من ذلك بكثير. فالبلد أضحت هيكلاً عظمياً منخوراً لم يترك فيه اللصوص مزعة من لحم، وهم اليوم يعضون على العظام يقرقشونها بأضراسهم ويكسرون العصيَّ منها بأنيابهم. عساكر ومتسلقين وانتهازيين وحرامية آخرين لا تعلمونهم الله يعلمهم. كل شيء بات منهاراً بدءً من القيم الأخلاقية وانتهاء بالجنيه هذا بعد المرور على انهيار التعليم والصحة والزراعة والصناعة والكهرباء والماء وسائر الخدمات فضلاً عن تلوث الأفئدة قبل البيئة. ليس منطقياً الحياة في دار عجز، أرض يباس يباب وقفر بلقع..(ما هو جمع بلقع؟).. لا توجد أي ميزة للحياة في هذا البلد اليباس، لا اقتصادية ولا عاطفية ولا ثقافية ولا أمنية ولا حتى مناخ طيب.. لذا أتوقع أن ظاهرة هجرة الأسر المحترمة ستزداد خلال الأشهر القادمة. هناك بالتأكيد إشاعات اطلقتها حكومة الكيزان الجدد كما فعل أسلافهم وهو الحديث عن استثمارات أجنبية جاية..وأنا لا أفهم معنى هذا الاستعباط. تخيل أنك مواطن سوداني تمتلك مائة ألف دولار، فهل ستفكها لتستثمرها في السودان؟ أي استثمار هذا، وأنت في دولة تعاني من إضطراب شديدة، حيث لا منظومة ولا نظام، وكل يوم قرارات مضطربة وزيادات وضرائب وجبايات وكهربا قاطعة وبنزين معدوم، وحتى الآن لا نعرف من يسن القوانين، ومن يلغيها، تحرير اقتصادي كاذب، فلا نحن هنا ولا نحن هناك؟!.. إن من يملك مائة ألف دولار يمكنه شراء أفخم شقة في مصر وتأجيرها والعيش على أجرتها..بل يمكنه أن يشتري مثلها في فرنسا او تركيا او اليونان...الخ. ويحصل على إقامة وعلاج مجاني وتعليم مجاني لأولاده فضلاً عن مشاهدة الخضرة والماء والوجه الحسن كل يوم حتى يلقى ربه وهو سعيد ترتسم على شفتيه ابتسامة الرضى. الهجرات ستستمر، وسيتركها المواطن الحصيف للصعاليك من محاربي الخلاء والراكبين على جثث القتلى، ومعهم باقي المغفلين النافعين ونحن المجبورين عليك. أرض اليباس هذه قاحلة العقل والروح، وموئلها إلى التمزق لو أحسن الله إليها وإلى قاطنيها. فليس خير لأي مجموعة إثنية إلا أن تختص برقعتها وتحيا فيها فتحكمها وتدير شؤونها على ما تراه محققاً لصالحها. وكان الله يحب المحسنين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة