لا تزال اصول اهل الكرو اسلاف الملوك المرويين يلفها غموض كثيف نيجة لشح البينات. وفي سبيل تفسير نشوء المملكة والطبيعة الاثنية للعائلة المؤسسة، قدم العلماء وفقا لما هو متاح من البينات. بالطبع لا يمكن ان نستبعد ان يكون السلف الستة عشر بمدافن الكرو او حتى الملوك الاوائل بجة او تاميا او ناخبار او نوبة قدماء في ظل غياب الادلة الحاسمة . . مجموعة الأراء التي قدمها بعض العلماء كفرصيات ، تقول ان اهل الكرو ( ربما ) هم أصلاً نوع ما من البجا القدماء البلميين .. هذه الفرضية اعتمدت على عدد من النقوش الهامة. أبرزها ( لوح الملكة تابيري ) ابنة الزعيم الارا الاب المؤسس لمملكة نبتة وزوجة الملك بيعانخي، واللوح المشترك لكل من انلماني واماني نتي يركي . مع بعض التخمينات. . بداية عندما عثر عالم الاثار جورج رايزنر داخل هرم الملك بيا (بيعانخي ) على لوح مسجل بالهيروغلافي مكتوب عليه الجملة التالية :(تابيري سيدة الخاستاينو وسيدة الصحراء الشرقية) أخطأ رايزنر في ترجمة نص اللوح حيث ترجمه كالاتي : ( تابيري سيدة التمحو) أي سيدة الصحراء الغربية. بمعنى ان اصول هذه السيدة هي ليبية، بينما كانت الترجمة الصحيحة هي (سيدة الخاستايانو والصحراء الشرقية). . كذلك فان رايزنر أخطأ بالقول بان السهام التي عثر عليها داخل جبانات سادة الكرو هي تبع الصحراء الكبرى، وانها ذات طابع ليبي جنوبي .الا ان اراء رايزنر سقطت تحت ضربات معاول العلماء اللاحقين. تبين بان الترجمة خطأ وان طراز هذه السهام منتشر منذ اقدم الازمان في وادي النيل علاوة على الصحراء الكبرى. . الاثاري ماكادم قدم فرضية تقول يمكن ان تكون مدينة الكرو المقر الاول للعائلة الملكة : (حين جاءت من لأول مرة لوادي النيل من الشرق ) في ازمان ما قبل نبتة، فاللوحة المشتركة للملك اماني نيتي يركي والملك انلماني ، تتحدث عن تواجد قبائل البهاي والميدد (نوع من البجا ) في الاقليم ذاته منذ ما قبل نشوء مملكة في نبتة.: ماكادم : معابد الكوة . المجلد الاول ، لوحة انلماني ، السطر16 الى السطر20. ( لوحة اماني نتي يركي: السطر 45 الى السطر46 . ص 58 . يعزز د.هيكوك فرضيات ماكادم بخصوص أصول الاسرة النبتية في الكرو : ( ان اهل الكرو، اسلاف ملوك نبتة ربما انحدروا من سلالة البلميين Blemmyes سكان الصحراء الشرقية او الغربية ) فيهكوك يفسر لقب زوجة بيعانخي كما جاء في اللوح ( سيدة سكان الصحراء العظيمة ) بانه ربما يعني (سيدة البلميين )سكان الجزء الشرقي من وادي النيل امتداداً حتى اسوان. مترجماً المعنى الحرفي في اللغة المصرية القديمة (السيدة العمياء ) ب . ج هيكوك : نظام الملك الكوشي في السودان : مجلة الدراسات المقارنة في المجتمع والتاريخ : عدد 7 رقم 4 يوليو 1956 ، مطبعة ماوتن ، لاهاي هولندا، ص 467. أراء د. هيكوك تتسق مع استنتاج ماكادم في عمله ( معابد الكوة ج.1). . يرى السمحوني، انه كانت هنالك صلة ما بين اسلاف الاسرة النبتية وسكان الصحراء الشرقية ، وربما توضح مدافن الكرو تلك العلاقة بين الاسرة النبتية وسكان الصحراء الشرقية . وربما استمر ارتباط الاسرة النبتية بموطنها القديم ، لعدة اجيال قبل ازمان ترهاقا بزمن طويل. (عثمان عبدالله السمحوني : نبتة ومروي في بلاد كوش . ص 17 . شعبة ابحاث السودان كراسة رقم 7 : اغسطس 1970). . اشار كل من كروفوت وادمز الى ان قبائل البلميين والبلهاي الرعوية كانت تجوب جزيرة مروي، اي الاقليم الواقع بين نهر النيل ونهر عطبرة خلال نهايات اخر العصور الحجرية (العصر الحجري الحديث) او خلال المرحلة التس سبقت نشوء مملكة مروي على انقاض المستوطنات النيلية القديمة. . كما ان حركة التمرحل الثقافي بين المراكز النيلية لمروي، مع صحراء العتباي وثقافات ادنى نهر عطبرة، مرت عبر اواسط البطانة في سهل الباطن الغني شرق مدينة مروي، حيث شهد المجتمع نقلة نوعية اعتمدت على وفرة الموارد. مما وفر القاعدة التي نشات عليها مدنية مروي. تدين مروي اشد ما تدين لبئة البطانة الغنية انذاك وللتقاليد الثقافية التي نشئت في مستوطنة الكدرو تحديدا وبالذات السمة المروية في مقاييس الجمال الانثوي التي تتطابق مع اشكال التماثيل الانثوية والتي ركز الفنانون فيها على ابراز الصدور المكتنزة والارداف الثقيلة تعبيرا عن الخصوبة والرخاء. التقليد الذي لا يزال ساريا. . عود على بدء فان ادوار البجا وصلاتهم باواسط السودان مثبتة بشكل جيد، مثل الصلات الاخري لهم مع الشمال الاقصي وبالذات اقليم ين او ما دعي لاحقا باقليم النوبة السفلب. . ونحن اذ نورد هذه الاراء ، كما دونها اصحابها ، لا نؤكد او ننفي بشكل جازم ان اسلاف النبتيين في الكرو (قبل الانتقال لنبتة ) هم بجا أو نوبة أو غيرهم بالضبط، طالما ان الادلة الحاسمة لا تزال تحتاج للمزيد من البحث والدراسة. وان الامر لم يتجاوز بعد طور ( الفرضيات العلمية ). بالطبع كذلك فانني اود الاشارة الى ان الاراء اعلاه جاءت من علماء لهم باع طويل في مجال دراسات كوش .
بالنسبة لاراء الجيل الاول من الرواد الاثاريين ، فان اراء اخرى لكل من درايتون Dirton وفاندير Vandier ) اللذان رغم اختلافهما مع رايزنر ، الا انهما ايضا حاولا اعادة اصل العائلة المالكة في الكرو الاقدم وفي نبتة الاحدث منها بانها تعود ايضا لاصول خارجية ليبية ..!! كل هذه الاراء تم تفنيدها علمياً بشكل رائع .
ان صحت هذه الفرضيات والتي لا يمكننا القول بانها تبلغ مرحلة الحقائق المثبتة، فان ادوار البجا الحضارية الاخرى خلال العصر المروي تظهر اسهامهم الحضاري خلال توريخات مملكة بلانة والتي تحمل طابعاً كوشياً، . هذه المملكة عاصرت مروي، وشاركت في سفاراتها. تظهر مخربشات ونقوش المرويون ذكر لجنرالات النهر البلميين. مثلما تتطرق اليهم وفرة غنية من الكتابات المصرية القديمة و الكلاسيكية اليونانية والروماني
مما لا شك حوله انه حتى بعد سقوط مروي، فان مملكة بلانة حافظت على التقاليد الكوشية الاصلية بشكل مخلص وابرزها العقيدة الدينية الامونية والايزيسية والمظاهر الثقافية الاخرى مثل اللغة الكوشية المروية المتأخرة.. . يظهر هذا بجلاء نقش الملك خارمدوية المدون بالمروية المتأخرة. كما ان النقوش الاخرى (المصرية القديمة ) و ( ووثائق الجبلين البلمية ) التي جمعها بيرنارد كشفت عن الدور الحضاري الذي لعبته مجموعات بجاوية على مر التاريخ .#الطيب احمد محي الدين 2015 الخرطوم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
الطيب احمد محي الدين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست