من بين ما كان في (خيالاتنا) عن أوجُه التغيير التي ستحدث بعد إنتصار ثورة ديسمبر المجيدة ، وخاب ظننا فيها شأنها شأن الكثير من الأخيلة والأماني التي تبدَّدت ، أن حركة الإبداع السوداني ستتفاعل ووتجاوب مع تطلُّعات الجماهير بتلقائية وبلا تزييف لترتقي بوجدان الثوار في مُجمل التحديات الوطنية التي يطلبها الوطن من المواطن ، وفي مقدمتها فضيلة الصبر و(النفَّس الطويل) في التعامل مع الصعوبات والصراعات الحياتية اليومية التي أضرمت نيرانها الكثير من الأسباب كان أهمها محاولات الفلول والمنتفعين مقاومة (مواجع) مخاض التغيير و(آلام) تفكيك دولة الحزب لصالح دولة المؤسسات ، حركة الإبداع السوداني إذا كانت بالفعل كما يُسهب النُقاد والمتخصصون في اللقاءات التلفزيونية والإذاعية وعبر صفحات الصحف نابعة من معاناة الناس ومُتناسقة ومُتعايشة مع همومهم اليومية وآمالهم وطموحاتهم الفرعية والإستراتيجية ، لما تخلَّفت عن التعبير بما يجيش في عقول الناس وضمائرهم من قضايا مصيرية لا يمكن أن يدعي كائنٌ من كان أنه لم يسمع بها أو لا يعرفها ، هذا التخلُّف الإبداعي عن ركب المعاناة الشعبية وتطلُّعات الفئة القابضة على جمر صعوبات الحياة المادية والمعنوية ما بعد ثورة ديسمبر ، هو أصدق دليل على ولوج معوَّل التمكين الإنقاذي في هدم منصات الإبداع الصادق النزيه والمُعبِّر عن تطلُعات الشارع السوداني في زُمرة ما تم هدمهُ من صروح ومؤسسات و(قيِّم) في هذه البلاد المغلوبة على أمرها.
فإن قرأنا التاريخ المُقارن القريب ، لوجدنا أن إنتفاضة إبريل 1985 ، وبعد أيامٍ معدودات من إنتصارها إستطاعت أن ترفد الوجدان السوداني المٌتفرِّد آنذاك ، بوابل من الإبداعات الموسيقية والثقافية والأدبية ، ساهمت مساهمات هامة وإستراتيجية في إعادة تغذية الوعي الجماهيري وشحذ همته الثورية بما يتناسب وضرورات المرحلة ، بالرغم من أن ذلك كلهُ قد تم هدمهُ فيما بعد ، عبر الخطأ الإستراتيجي المُتمثِّل في قِصر المدة الزمنية للفترة الإنتقالية.
إنتصرت ثورة ديسمبر المجيدة وما زال أنصاف الموهوبين ومُطبلي الأنظمة السياسية الفاسدة من أدعياء الثقافة والإبداع يتسيَّدون الموقف الإعلامي ، وبالرغم من الآراء الكثيرة التي تُحمِّل الدولة وبالتحديد وزارة الثقافة وإدارات الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية مسئولية إستمرار هذا العبث ، إلا أنني أعتقد أن المسئولية أيضاً تقع على عاتق المبدعين الحقيقيين وأصحاب المواهب والقُدرات المُعترف بهم ومعهم ثُلة الإعلاميين الوطنيين الذين تم إقصاءهم ، كونهم وعلى ما يبدو إستمرءوا (إستسهال) مسئوليتهم الوطنية وأدمنوا عاهة القعود والإبتعاد ، فزخم الثورة وبريقها الوهَّاج في إعتقادي كان كافياً لعودتهم إلى ساحة المعركة والمصادمة لهزيمة الزيف الإبداعي والثقافي والإعلامي مثلما صادمت جماهير شعبنا الجبابرة وأجبرتهم على الترجُل ، وجود نفس الوجوه المُزيَفة التي تتحدث بإسم المبدعين والمثقفين في مجالات عديدة ، ما من أسباب تُبرَّرهُ سوى إبتعاد المبدعين الحقيقيين وعزوفهم وتهيُّبهم لإقتحام ساحة المنافُسة ، هل يُشير ذلك إلى نجاح (الإنقاذ) في تشويه دواخلهم وتوطين العجز والشعور بالدونية بما عانوهُ من تشريد (منبري) ، هل يحتاجون إلى (إعادة تأهيل) نفسي في مادة الإيجابية والإعتداد بالذات والتشبُث بالحقوق ؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة