المواطنون السودانيون يرفقون بحكّامهم ويجاملونهم كثيراً، ويعفون ويغفرون اخطاء المسؤولين، ربما التربية الصوفية الطيبة هي التي ارست دعامات هذا الوجدان المتسامح حد السذاجة، واستغلالاً لسماحة هذه الروح الرحبة استمرأ السياسيون تكرار الاخطاء، فبالكاد تجد فرقاً واضحاً بين حكام مايو ويونيو وابريل، ذات السمات الناكصة بالعهود والناقضة للمواثيق المبرمة بينهم وبين مواطنيهم، فبمجرد أن ينتقل المتحدث اللبق عن معاناة العامة لديوان الحكم، تتغير لهجته وينعزل عن محيطه الاجتماعي الأول، ويتحول الى شخص صفوي تدور علاقاته الاجتماعية والاقتصادية حول محور رجال الاعمال وطبقات السكان المترفين، ويندر أن تحصل على نموذج لشخص متصالح مع واقعه وماضيه الفقير من ساسة اليوم، والملاحظ أن قادة قحت قبل ان يجف عرق قمصانهم البلدية، بدءوا في ممارسة هذا السلوك الفوقي مع الثوار القابضين على جمر القضية، فانقلبت لغة الحوار رأساً على عقب واصبح الدفاع الأعمى عن الحكومة هو أول ما يفتتحون به حديثهم، ولا يوجهون انتقاداً لأنفسهم الا على استحياء منهم في بعض الحالات النادرة، واخذت لغة التواضع تختفي من تقاسيم وجوههم ومن لغة اجسادهم. أعجبني الحديث الموجه من احد الشباب لوزير الصحة ذات يوم فتائلي صعيب، قائلاً نحن من أتى بك يا سعادة الوزير وعليك التوقف لسماع صوتنا، مثل هذا الشاب يمكن أن يكون النموذج الذي يجب على رصفائه الاقتداء به، فممثلي حكومة الثورة لم يمنحهم الشعب شيكاً ابيضاً يكتبون على صفحاته ما يشاؤون، فهم ما يزالون خُدام وحُرّاس لمكتسبات الثورة أو يجب ان يكونوا كذلك، وعلى ذاكرتهم أن تستحضر على الدوام التفويض الاخلاقي الذي تعاقدوا فيه مع الشارع، وهو القيام بواجب تنفيذ أهداف الثورة التي على رأسها القصاص والوفاء لدماء الشهداء، وثانيها تقديم ما يؤكد على أن محاكمة البائدين الضالعين في جرائم الحرب والفساد ستمضي الى نهاياتها الجّادة والصادقة، ثم يأتي في ذيل القائمة الخبز والمحروقات لأن الأولى أن تستجم القلوب المحروقة لأمهات الشهداء، فعلى الشباب الثائر أن لا يجامل في تكاسل الحاكمين، وأن يحتفي ويحتفل باعياد ثورته المتراكمة من سبتمبر الفين وثلاثة عشر، مروراً بديسمبر من العام الفين وتسعة عشر حتى السادس والحادي والثاني عشر من ابريل عشرون عشرون، فانخفاض زخم يومي الأمس والأول من أمس يؤشر على ما لا يحمد عقباه، ويقتحم اذهاننا هذا السؤال: لماذا لم يُقِم رئيس الوزراء ووزراءه احتفالاً بهيجاً بحدائق القصر يجددون فيه العهد لدماء الشهداء التي كانت مهراً لولجوهم باب هذا القصر؟. إنفراط عقد الأمن في العاصمة وعواصم الولايات تؤول مسؤوليته لوزير الداخلية والمدير العام لقوات الشرطة، والجوع وشح المواد التموينية وغلاء الأسعار يجب ان يحث الصحافة والاعلام على رمي اللّوم على وزير المالية، والاختراقات الحدودية ودخول المتفلتين واجب حسمها يقع على عاتق جيشنا جيش الهنا، اما الفساد المالي والاداري يستوجب تمديد صلاحيات لجنة ازالة التمكين، ويا حبذا لو طوّرت لتصبح مفوضية قومية لمكافحة الفساد السابق والحالي واللاحق، حتى لا يتحجج بعض المتهمين بالفساد من نساء ورجالات العهد القحتاوي ليقولوا أن دائرة اختصاص اللجنة يدور في فلك النظام البائد لوحده، وعلى الناشطين في المثلث الملتهب أن يركّزوا جهدهم في تقسيم استحقاقات اتفاقيات السلام المبرمة بين حكومة الانتقال وحركات الكفاح المسلح، وأن يعلموا ويعوا حجم حقوقهم فيما جاءت به هذه الاتفاقيات المخاطبة لعامة سكان المناطق الثلاث، وأن لا يتركوا المجال لبعض المستهبلين من قيادات الكفاح المسلح ليستأثروا بالتهام كامل الكعكة، فسودان ما بعد أبريل حلم جميل طاف بمخيلة كل الناس ولا مجال فيه لاعادة ممارسات الانظمة السالفة السالبة، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات ولا فضل لمواطن على آخر في هذه الأستحقاقات. عزيزي المواطن عليك أن تدرك جيداً أن الوزراء والاعضاء السياديين ما هم إلا خُدّام لك، ولم يأتوا الى هذه المناصب إلا بعقد شرف وميثاق معنوي بينك وبينهم، يلزمهم بأن يبذلوا قصارى جهدهم في أن يهيئوا لك اسباب الحياة الكريمة التي تستحقها، فلا تتنازل عن حقك ولا تهن ولا تستسلم ولا تجود وتتكرم بالأعذار المجانية لمن استوزروا وتقلدوا المناصب باسمك، لا تقصّر من اداء واجبك تجاه وطنك ولا تفسح المجال لمسؤول حتى يتضجر من رؤية وجهك العزيز، ضيّق على من ضاق بك ذرعاً من الدستوريين الذين منحتهم ثقتك وانصب (فتيالك)، وكن بشوشاً صبوح الوجه مع من يحترمك ويجلس معك تحت ظلال اشجار النيم، وتحت زمهرير الشمس مطأطأً الرأس احتراماً لك، فأنت المقوّم لأعوجاج الحاكم في ظل حكومة مؤقتة قصيرة الأجل عظيمة الواجب، فان تهاونت تهاون خادمك وخضع لنوازع النفس وانحرف عن مسار واهداف الثورة، وإن وقفت نابه الاذن مبصر العينين مستشعر لما لك من حقوق وما عليك من واجبات وطنية، صلح جسد منظومة الحكم الذي عليه ان ينقلك الى نظام ثابت يحقق استدامة الديمقراطية والحكم الرشيد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة