تشكل القرم ودونباس مناطق توتر بين روسيا وأوكرانيا، منذ تفتت الاتحاد السوفيتي وحتى اليوم، لا تمر سنة إلا وتومض في السماء أضواء الرصاص. أوروبا وأمريكا تعملان -كالعادة- على تهديد روسيا عبر دول التخوم الروسية، وفي المقابل، تنشغل روسيا باستمرار بتلك التهديدات، واليوم بدأت بالفعل بوادر حرب قد تكون عالمية، إذا امتلكت روسيا إرادة الرد على حلف الاطلسي لو أطلق مدافعه. فرضت أوروبا وأمريكا حظراً اقتصادياً، مؤثراً على روسيا. وأعتقد أن كثرة استخدام السلاح الاقتصادي، سيجعل روسيا ومعها حلفاءها القليلين مثل الصين وبعض الدول الشيوعية السابقة تتخذ إجراءات للحد من تأثيرات الحظر الراهن والمستقبلي، وقد أضافت الصين أيران، وهذا ما أزعج أمريكا وإسرائيل كثيراً. لأن إخراج إيران من العزلة الاقتصادية يعني فشل الحظر الأمريكي (أدبياً) وإن كان لا يمثل تهديداً حقيقيا لمصالح الغرب. قبل قليل بدأت المناوشات بين الطرف الاوكراني المدعوم امريكيا، وطرف المتمردين المدعومين روسياً. وأحسب أن تحركات دبلوماسية عديدة ستعمل على عدم تصعيد الأزمة، ولكن وفق شروط ضاغطة ومذلة على روسيا. الإرادة: تملك الولايات المتحدة دوماً إرادة الحرب، ودعم الدول المحيطة بروسيا والصين عسكرياً، في الوقت الذي لا تتجاسر فيه الصين وروسيا على ذات الأمر. لقد استطاعت امريكا في الحرب العالمية تغيير دفة الحرب، فبعد اكتساح دول المحور لأوروبا، تدخلت أمريكا لتقلب الموازين، ثم أبدت كل إرادتها بقصف اليابان بالقنابل النووية. ولذلك فميزان الإرادة يميل دائماً لأمريكا. تهديد المصالح: يصعب جداً تهديد المصالح الأمريكية، لأنها واسعة النطاق، هناك أربعة درجات لمقياس الدول: الدول العظمى ذات التاثير والنفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي العالمي (مثل أمريكا). والدول الكبرى ذات التأثير الإقليمي الرئيسي كالصين وهناك دول متوسطة ذات تأثير إقليمي فرعي. وهناك دول هامشية بائسة وهي الأغلبية الممنوعة من التطور باستمرار. النفوذ الاقتصادي الامريكي اقوى مما يمكن تصوره لأن امريكا هي الدولة رقم واحد في الاستثمار العالمي. افلاس بضعة بنوك امريكية يمكن ان يرتب كارثة اقتصادية على اوروبا وبقية العالم، بل حتى الصين وروسيا. لامريكا نفوذ عسكري وسياسي اكبر من نفوذ اي دولة أو تكتل دولي، فعدد القواعد العسكرية الأمريكية هو الأكبر في العالم في الوقت الذي قلصت فيه روسيا عدد قواعدها العسكرية. وتعتبر امريكا أكبر الدول إنفاقاً عسكرياً، والفارق بينها وبين اقرب دولتين (روسيا والصين) شاسع جداً. كما تمتلك امريكا ترسانة عسكرية أكبر باضعاف من الصين وروسيا مع تكنولوجيا متقدمة جداً بعضها معلن عنه وبعضها سري، وبعضها شديد السرية. تسيطر امريكا على كافة المعابر البحرية في العالم، وتقبض بيد من حديد على عالم البحار وقد أمنت على ذلك باتفاقية البحار لسنة ١٩٨٢. الحدود الأمريكية مؤمنة تماماً جنوباً وشمالاً، ويصعب زعزعتها. أما بقية دول العالم فقابلة للزعزعة وإحداث توترات فيها. إذاً فكل موازين القوى ترجح لمصلحة امريكا. غير ان هناك حسابات غير منظورة، وهي حسابات تشابك المصالح بين كل هذه الدول، واهمها الامن الأوروبي، وتأمين مصادر الطاقة، والقيود المالية المتبادلة، والشركات العابرة للقارات، وهنا يتحدث المال، وعندما يتحدث المال يصمت السلاح. إذاً؛ فالأطماع حتى الآن أقل مما يؤمل ربحه من الحرب، لذلك فغالباً ما تعول روسيا على ذلك. وتحاول تخفيف الضغط عليها عبر بعض الاتفاقيات الدولية والمفاوضات الصعبة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة