أثلجت صدري دعوات متسارعة ومُتحمِّسة لإعتصام بمحلية عِد الفرسان ، نادى به شبابها وشاباتها ومعهم مجموعة من المهتمين بالشأن البيئي ، يدعو الإعتصام هذه المرة للدفاع عن البيئة ومحاربة القطع الجائر للأشجار تحت شعار (أنقذ شجرة تحارب التصحُّر) ، ما يدعو أمثالي للتفاؤل أن ظاهرة الإعتصامات التي إنتظمت بلادنا في الآونة الأخيرة كثمرة من ثمرات حرية الرأي والتعبير ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، كانت محصورة في ذهني وربما في أذهان الكثيرين في كل ما لهُ علاقة مُباشرة بالشأن السياسي ، ورغم أن الحصول على بيئة طبيعية مثالية في السودان وأهمية حماية المساحات الخضراء كهدف غير مباشر داعم لمُجمل حركة التنمية الإقتصادية المنشودة ، إلا أن الأمر يبدو للوهلة الأولى وكأنهُ (تحوُّل) إستراتيجي في نظرة المواطنين تجاه حماية (مصالحهم الأخرى) ، والتي لا ترتبط إرتباطاً مباشراً بالمنحى السياسي والإقتصادي ، أو سائر ما جرت عليه عادة الإعتصامات من ناحية مطلبية.
ومن باب آخر فإن فعالية إعتصام عد الفرسان لحماية البيئة ومحاربة القطع الجائر للأشجار تُعتبَّر إشارةً تستحق أن تُحتزى في تعميق مفهوم خفض مستويات الإنفعال الثوري ولو مؤقَّتاً ، والإنخراط في ملاحم إعادة البناء وتحقيق شعارات الثورة في الواقع المُعاش ، فالقطع الجائر للأشجار هو صورة قاتمة أخرى لما خلَّفهُ العهد البائد من تشوُّهات في البنية القانونية والوظيفية للخدمة المدنية ، مُمثَّلة في إدارة الغابات بوزارة الزراعة والتي تُعتبَّر المسئول الأول عن حماية الثروة الغابية بالبلاد ، كما أن تنظيم وتخطيط مساحات الإستفادة الإستثمارية عبر قطع الأشجار هو من أهم واجباتها ، وهي بالتأكيد لكي تستطيع (العودة) إلى دورها الطليعي في هذا المِضمار تحتاج إلى المزيد من (الوعي والدعم) الشعبي ، فضلاً عن المُعينات المادية واللوجستية عبر وزارة المالية ووفق ما خُصص لها من موارد في الموازنة العامة ، فإدارة الغابات واحدة من الهيئات الحكومية الإستراتيجية التي عانت في العهد البائد الكثير من الإهمال والتهميش والهدم المُمنهج ، مما أفسح المجال للتعديات المهولة التي دمرت الغطاء الغابوي الطبيعي والمُخطَّط لهُ في السودان.
ما كان يُسمى سابقاً قُبيل الإنقاذ المشئومة بـ (الحزام الأخضر) هو مشروع إستراتيجي إستهدف إحاطة العاصمة بسلسلة غابية تعمل على تحقيق التوازن البيئي المطلوب لمجابهة المخاطر التي تنتجها مُخلَّفات المصانع وعوادم السيارات والطائرات ، هذا فضلاً عن إعتباره مصد طبيعي للحماية من الأتربة والعواصف ومقاومة إنجراف التربة ، غير أن جشع النافذين في حكومة المؤتمر الوطني البائدة وبعد أن فرغوا من بيع ميادين الخرطوم وسوحها وسائر المساحات التي كانت مُخصَّصة (للتنفيس) عن الناس حسب الخُرط الأصلية للمُخطَّطات السكنية ، إلتفتوا في سنواتهم الأخيرة إلى توزيع مُخطَّطات سكنية في جنوب الخرطوم وجنوبها الغربي ، ودون إلتفات لمُخطَّطات أو دراسات سابقة ، فكانت النتيجة (فناء) الحزام الأخضر ، ذلك المشروع البيئي الإستراتيجي الذي أُهدرت فيه الأموال والجهود والبحوث ، التحية والتقدير والإحترام والمؤازرة لنساء ورجال عِد الفرسان الذين دشَّنوا بدعوتهم الحضارية هذه أوَّل الإعتصامات التنموية ما بعد ثورة ديسمبر الباسلة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة