لم تكن حادثة طلاب الشهادة ببعيدة عن توقعاتي السابقة، بت أشعر بالملل من وضع روابط مقالاتي السابقة التي أتوقع فيها هذه الكوارث القحاطية، ومن ضمنها كارثة وزيرة التعليم العالي هذه. غير أن السؤال: كيف لكل توقعاتي أن تصدق بهذا الشكل؟ الإجابة بسيطة جداً، وهي معرفتي بسيكولوجية الشخصية السودانية. وهي شخصية نمطية جداً، وغالباً ما تبني قراراتها على الإنفعال السطحي والوقتي والمباشر مع الواقع. حتى ان كل قرار يصدر من وزير أو حتى مسؤول صغير يكون ضرره أكبر من نفعه، وقد تترتب عليه خسائر فادحة للدولة قبل المواطنين، كالقرارات الأخيرة التي تم فيها التوقيع على اتفاقيات دولية تلقي بأعباء مالية مستقبلية كارثية على السودان. هناك جهل كبير من الوزراء بالقانون قبل جهلهم بالعمل الإداري. ولو كنا في دولة بها مؤسسات قانون حقيقية، لكانت كل قرارات المسؤولين قد أُلغيت بأحكام قضائية. والأغرب أن كل وزارة بها مستشارية قانونية. فماذا تفعل هذه المستشاريات بالتحديد؟ لكن العيب أن يتمدد الجهل بأهم قواعد العمل العام، والتي يجب أن تدور حولها كل أعمال السلطة التنفيذية (القانونية والمادية)؛ وهي قاعدة أن كل أعمال الحكومة يجب أن تتوخى تحقيق المصلحة العامة. (لا انتقام سياسي، ولا دعماً لسياسات التحرير الاقتصادي، ولا لمحاصصات حزبية أو جهوية). إن مصطلح المصلحة العامة قد يبدو فضفاضاً، حينما يُنظر له على مستوى كلي، ومنضبط عندما يتعلق بالفرد (المواطن). هذه القاعدة تستلزم أن تكون تدخلات الدولة عبر سلطاتها الوزارية تدخلات مؤسسة على مبدأ المشروعية أي أن يكون القرار الإداري مستنداً على قانون من ناحية، وألا يخالف القانون من ناحية أخرى. هذا المبدأ الأول الذي يجب أن يتعلمه الوزراء، تليه كل المبادئ الأخرى التي تجعل العمل الحكومي في صورة قرار عملاً مُحكماً عند الطعن فيه قضاءً. هناك مبادئ أخرى مثل الحقوق المكتسبة، ومثل المعاملة بالمثل، والمساواة بين من هم في مركز قانوني واحد،..الخ. بالإضافة الضوابط الموضوعية والشكلية القاعدية الأخرى. لكن هؤلاء الوزراء شغالين (دافوري). وليس هذا فقط في عهد القحاطة بل منذ وقت طويل جداً، إذ رأينا التعسف في استخدام السلطة والإنحراف بها عن غايتها، وعرقلة مصالح الجمهور، وتسويئ مواقف المواطنين...الخ.. يعتقد الوزير أن بإمكانه أن يتخذ أي قرار يريده، وهذا غير صحيح. لكن الناس تعتقد ذلك لضعف مؤسسات الرقابة القضائية. وهذا ما جعل كل مسؤول (حتى لو كان أصغر موظف في السلم الوظيفي)، قادراً على الإضرار بمصالح المواطنين. قرارات وزيرة التعليم العالي الحالية والتي بدأتها بوضع شرط الايمان بوثيقة قوى الحرية والتغيير، لم تختلف ابداً عن قرار سابقتها سمية أبو كشوة..ونفس قرارات مدني جرادل الأولى التي أُضطر للحسها قراراً بعد قرار جراء عدم فهمه للحقائق الإقتصادية والتجارية الداخلية والدولية، وقرارات وزراء المالية ومحافظي البنوك المتعاقبين وآخرهم قرار تعويم الجنيه الذي انتهى على النحو المضحك والكارثي الذي نراه، والذي سنرى آثاره الكارثية تتفاقم على المستوى القريب، كما حدث عندما تم رفع الحد الأدنى للأجور استجابة من الوزير لدراسة الأصم التي أوصت بتلك الزيادة. والكارثة تستمر. والمواطن مغلوب على أمره، والوزراء يشعرون بالعظمة لأنهم تعطروا بالعطور الباريسية بعد سنين من ريحة الصنان وركبوا الانفنيتي فتساووا مع عشة الجبل.. وربنا يحمينا من الزنق...
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست