إننا نبني ذاكرتنا، نؤسس لها، ولذلك يجب أن تكون ذاكرة إيجابية وصحية، لكن ما يحدث هو ان ذاكرتنا لا تتأسس على ما هو إيجابي، ذاكرة طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا تفرض علينا كهولة بائسة. إن الأبوين يجب أن يهتما ببناء ذاكرة الأبناء الإيجابية لا السلبية. إن الدول الفقيرة كالسودان، لا تؤسس سوى ذاكرة كئيبة بمجتمع تأسست ذاكرته هو نفسه على قفر وفقر، قفر البيئة وفقر الفكر. لذلك فهو مجتمع يفسد ذاكرة أجياله. ولذلك ايضاً فهو غير قادر على تبني المفاهيم الحقوقية بنزاهة ومصداقية. إن اللصوصية السياسية تؤسسها ذاكرة الفاقة والفقر. وتحشد شراهة العدوان على حقوق الآخرين. لقد صمت حمدوك ووزرائه على جرائم القتل والاغتيال، لأنهم نشأوا داخل تلك الذاكرة السلبية التي تصنع بشريا أنانياً بليد الإحساس بالآخرين وبطيء الفهم لضرورة التعاون الإنساني. لذلك فلا فرق بين حميدتي وحمدوك والبرهان والكيزان والشيوعيين وغيرهم. إن الإختلاف هو في درجة احتياز القوة التي تمنحهم خيار الغدر والقتل. قلت قبل سنتين بأن اغتيال بائع الخضار وشاب الكورونا التي تجاهلهما الشعب بلا نزاهة ولا ضمير، ستجر البلاء على هذا الشعب، الذي يملك عشرات المكاييل وليس مجرد الكيل بمكيالين. إنهم لا يملكون روحاً ترفض قتل الآخر، وهنا يكمن أس البلاء. فما دام هذا الشعب لديه ذلك القبول بقتل الآخر لمجرد اختلافه، فهو سيظل سادراً في اللا عدالة واللا قيم. اليوم مثلاً أرسل لي احدهم فيديو العدوان على شاب يقود تكتوك من قبل الدعم السريع، حيث اجتمعوا حوله واعتدوا عليه عدواناً إجرامياً، ومع الفيديو رسالة كاذبة تقول بأن الفيديو يخص إلقاء القبض على قتيل الكلاكلة. ترك كل من شاهد الفيديو بشاعة ذلك العدوان واهتموا بشخصية المعتدى عليه، هل هو قتيل الكلاكلة ام شخص بدارفور ام لا، بل أن بعض المرتبطين عاطفياً بحميدتي بالغوا في رد الفعل. رغم ان العملية لا يمكن ان تكون مقبولة بأي حال من الأحوال سواء كان المعتدى عليه قتيل الكلاكلة أم تاجر البندقية. نفس هذا حدث حين كان أبناء دارفور يتعرضون لإبادة جماعية هم وآبائهم وأبنائهم وأزواجهم وأطفالهم؛ بل حتى حيواناتهم الأليفة. وكان الشعب صامتاً، لكن موت بضعة منهم في الشمال أثار ضجيجاً مفزعاً. وتداولوا مقطعاً لعبد الواحد وهو يقول بأنه سينقل الحرب للشمال وهم غاضبون، ولا أعرف لماذا هم غاضبون، إذا كانوا طوال سنوات الإبادة لم يتحركوا ولم يصرخوا؟ عندما غرق أطفال المناصير هاجوا وماجوا، ولكنهم يصمتون عن قتل الملايين في المناطق الأخرى. وهم من يديرون حكم الدولة. لكن الأمر ليس بعيداً عن من تمت إبادتهم في دارفور أو غيرها، فحتى هؤلاء يصمتون بتشفٍّ حينما يشاهدون قتل واغتيال غيرهم دون أي احتجاج. إن ذاكرتهم جميعاً ذاكرة مشوهة، حتى أنها شوهت ضمائرهم. وهذه معضلة كبرى، لا يمكن حلها ولو بآلاف إتفاقيات السلام. إن ما يصنع السلام هو بناء ضمير نزيه وعادل، ضمير خلقته ذاكرة صحية، تلك التي تجعل طفل الطبقة الوسطى يفزع حين يرى ذبح دجاجة في حين لا تطرف عين طفل البلوريتاريا عندما يذبح أمامه إنسان. لقد شكلت ثقافة الفقر تلك الذاكرة السلبية، التي تجعل كل شيء عرضة للسرقة بدءً من هاتفك الجوال وانتهاء بدولة. وهي التي تجعل حكومة اليابان تقف على قدم واحدة عندما تتأخر طالبة عن الوصول لمدرستها بسبب تأخر القطار، في حين لا تسمع صوتا لا لحمدوك ولا للبرهان عندما يقتل مواطن سوداني برصاصات قناص، بل ولا يأخذ أحد جرائم الحرب والإبادة الجماعية مأخذ الجد. إن بناء الدولة يستحيل أن يتحقق مع هذه الأدمغة التعسة ذات الذاكرة المشبعة بالأوساخ...مستحيل لهذا الشعب أن ينهض من سقطته إلا لو أيقظ ضميره الميت من قبره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست