مع ابو تمام ؟ يظل الرثاء أصدق الأغراض الشعرية التي تُصوِّر مرارة الفقد، وحسرة الفراق . قال ابو تمام وهو يرثي القائد محمد الطوسي ... وكانه ينعى السيد الامام : كذا فليجل الخطب وليفدح الامر ، فليس لعين لم يفض ماؤها عذر . + أعترف بان الوجع المر قد تملكني ، والحزن العميق قد لفني ، ولم تستطع عيني ان تسكب ماءها ، لكي تريحني ، فقد كان الوجع اكبر من الدموع ، لفقد جلل ومروع ومدمر. إستطرد ابو تمام قائلاً : وَقَد كانَ فَوتُ المَوتِ سَهلاً فَرَدَّهُ ، إِلَيهِ الحِفاظُ المُرُّ وَالخُلُقُ الوَعرُ . + خلق السيد الامام الإحساني الوعر في مخالطة الناس ، كل الناس ؛ وحفظه المُر وتمسكه بإنسانيته الباذخة التي تتجلى في تكريمه ومجالسته للناس ، حتى للغريب المصاب بالكورونا ،كانتا من اسباب اصابته بمرض كوفيد التاسع عشر ، الذي تسبب في وفاته المفجعة . ولكن لكل اجل كتاب . قال ابوتمام بتصرف : كَأَنَّ بَني ( السودان َ) يَومَ وَفاتِهِ ، نُجومُ سَماءٍ خَرَّ مِن بَينِها البَدرُ . مَضى طاهِرَ الأَثوابِ لَم تَبقَ رَوضَةٌ ، غَداةَ ثَوى إِلّا اِشتَهَت أَنَّها قَبرُ . عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ وَقفاً فَإِنَّني ، رَأَيتُ الكَريمَ الحُرَّ لَيسَ لَهُ عُمرُ . + نعم... عليك يا إمام سلام الله وقفاً ، فقد مضيت طاهر الاثواب واللسان واليدين ، وبنو السودان يرون كيف خر من بينهم بدر لامع ونجم ثاقب . ولكن عمرك يا امام ، وانت الكريم الحر ، لا يقاس بسنواتك الزمنية ال 85 سنة ، وانما هو مئات السنوات بعطائك وما تركته للإنسانية من تراث عظيم ، وميراث فخيم . المنظمات والجوائز ؟ رحل السيد الامام وهو رئيساً مُنتخباً للمنتدى العالمي للوسطية، رشحته للمنتدى حيوية فكرية وسطية إستثنائية . كما كان رئيساً منتخباً لمجلس حكماء العرب لفض المنازعات في الخليج . كان السيد الامام عضواً فاعلاً ومجتهداً في عشرات المنظمات الاقليمية والدولية ، نذكر منها مثالاً وليس حصراً : + نادي مدريد للحكماء الديمقراطيين الذي يُعتبر أكبر ملتقى لرؤساء حكومات ديمقراطية سابقين، + المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، + المجلس العربي للمياه، + المؤتمر القومي الإسلامي ببيروت، + المجلس الإسلامي الأوروبي في لندن، + ومجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية. حصد السيد الامام عشرات الجوائز الاقليمية والدولية ، في شتى المعارف والفكر والسياسة والرياضة ، نذكر منها مثالاً وليس حصراً : + في عام 2006 ، اختارته الهند ضمن مائة من اعظم القادة المسلمين في القرن العشرين ، + في عام 2007 ، اختاره مركز تنمية الديمقراطية كرجل الديمقراطية للعام 2007 ، + في عام 2009 ، اصدرت جامعة جورجتاون في الولايات المتحدة الامريكية قائمة احتوت على اعظم 500 قائد اسلامي في التاريخ الاسلامي تصدرها المعصوم ، وكان السيد الامام ضمن هذه القائمة العظيمة ، + في عام 2013 ، منحته الفلبين جائزة قوسي الدولية للسلام ، + في عام 2013 ، فاز السيد الامام بكاس الجمهورية في التنس ، للمرة الخامسة على التوالي . الاقوال المأثورة ؟ ادخل السيد الامام مفردات جديدة في قاموس الحياة السياسية السودانية مثل : + السندكالية او النقابية من Syndicate وترجمتها ( نقابة ) ؛ + والانبغائية ...ما ينبغي ان يكون عليه الحال ؛ + والنرجدية ... من النور جادين الذي بدأ اول إنشقاق في حزب الامة . كما ادخل تعابير مُستجدة سارت بها الركبان مثل : + السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل ، + المحاكم الهجين ، + الفشى غبينتو ، هدم بنيتو ؛ + ومشطوها بقمله؛ + لا ديمقراطية لجائع، ولا ديمقراطية لخائف ، ولا ديمقراطية لجاهل ... والجهل لا علاقة له بالمؤهل الدراسى ، فرب أمى لا يقرأ ولا يكتب أكثر وعيا من خريج جامعة، اضله الله على علم . وتزخر عشرات الكتب التي كتبها في شتى المواضيع ، ومئات المقالات والاوراق العلمية والخطب التي حررها بالجديد المثير الخطر . المستودع الوطني ؟ كان السيد ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻣﺴﺘﻮﺩﻋﺎً ﻟﻠﻘﻴﻢ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ الباذخة ، والتراث السوداني الاصيل ، والثقافة السودانية المتجذرة . كان الإمام ﻣﻠﻬﻤﺎً ﻟﻸﻓﻜﺎﺭ، ﻣﻨﺘﺠﺎ ﻟلروئ الاستراتيجية ، ﻣﺒﺪﻋﺎ ﻓﻲ ﺻﻴﺎغة البرامج التفصيلية المكملة للروئ الاستراتيجية ... وآخر هذه الروئ الإستراتيجية العقد الاجتماعي الجديد ، الذي اقترحه للوصول بسلام لنهاية الفترة الانتقالية . كان السيد الامام يجاهد في البحث عن مغانم للوطن الحدادي المدادي ، ويرفض بشدة أي ﻣﻐﺎﻧﻢ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺃﻭ اسرية او ﺣﺰﺑﻴﺔ. كان همه الاساسي استقرار الوطن وسلامه ، وان تكون مرجعيته المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات امام القانون ، غض النظر عن الإختلافات الدينية ، والاثنية ، والثقافية ، والجندرية ، والمناطقية ، والاجتماعية . كان السيد الامام يؤمن بمنهج ( نحن ) وحصرياً ( نحن ) ، في مدابرة لمفهوم ( نحن ) من جانب ، و( هم ) من الجانب المقابل . كان كبلنج يقول : الناس السمحة مثلنا هم ( نحن ) ، وكل الناس الآخرون هم ( هم ) ... وتتعارك ( نحن ) ضد ( هم ) في الحروب العبثية التي عرفها الانسان منذ ان قتل قابيل اخاه هابيل . كانت رحلة السيد الامام رحلة قاصدة ، وهو يهرول خلف ( الاسماء كلها ) اي الحقيقة ، ويجاهد في الوصول الى الارض التي بارك الله سبحانه وتعالى ما حولها ، ارض الحقيقة وهي تضئ فوق الجبل . الارض التي تجد فيها الانسان حراً ، ومحفوظ الكرامة ، حيث يطعمه الله من جوع ، ويامنه من خوف ، وحيث تجد الانسان قد ملك الدنيا وما عليها لانه نجح في إنفاذ الحديث النبوي : من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها . برحيل جسد السيد الامام ، ولكل أجل كتاب ، يفقد العالم قاطبة ، مفكراً إستثنائياً كان يدعو للوسطية في كل شئ ، ويدعم القضية الفلسطينية النبيلة ، ويدعو للسلام والتاخي بين الشعوب على نهج الآية الكريمة 13 في سورة الحجرات : ... لتعارفوا ... تعلمنا من السيد الامام ان هذه الاية ( لتعارفوا ) تجسد جوهر الاسلام ، لانها تدعو للتعارف والتحابب بين الشعوب المختلفة . وما فرض سبحانه وتعالى الحج إلا لكي يعمل الناس على إنفاذ هذه الآية ، فالحج عرفة كما قال المعصوم ، حيث يجتمع المسلمون من رياح الدنيا الاربعة ليتعارفوا ويتفاكروا في امور دينهم وديناهم ... أو ما هو مفروض في الحج . برحيل جسد السيد الامام ، يفقد السودان ، زعيما و قائدا و إمامًا ، ورائداً لم يكذب اهله . ويفقد السياسي الوحيد الذي كان اسما على مسمى ، فهو الذي كان صادقا مع نفسه ومع شعبه ، كان صادقاً في نضاله ، كان صادقاً في دعوته ، كان صادقاً في ايمانه ... بل كان صادقاً في كل شئ. ولكن رسالة السيد الامام ، وارثه ، وفكره ، ورؤاه ... هذه وتلك سوف تظل حية لا تموت الى ان يرث الله الارض ومن عليها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة