علي مر الحقب الوطنية منذ الاستقلال ظل السلام ظل السلام القضية المركزية للشعب السوداني والحلم المنتظر، رغم التكلفة الباهظة التي جنتها البلاد، هذا المطلب الرئيسي ظل عصيا على الإدراك لسنوات عجاب أهلكت الحرث والنسل وجعلت حمامات الدماء هي عنوان المأساة الوطنية، حيث تمظهرت في عدم القدرة على إدارة التنوع وطننا العزيز، مما جعل التناحر السمة الأساسية للمجتمعات، ويتحمل النظام البائد نصيب الأسد في تلك المالات، حيث أجج النعرات القبلية والجهوية والعنصرية، فضلا عن استحالته للحرب الأهلية من صراع حول السلطة والموارد الي صراع ديني واستماته لفرض رؤيته الأحادية رغم أنف التنوع الذي يذخر به السوان، نتاج ذلك جعل البلاد تدور في حلقة مفرقة من الضياع والتوهان وعدم الاستقرار. نجد أن ثورة ديسمبر المجيدة قد أفرزت واقعا جديدا، تسوده إمكانية اختراق عميق للملفات الوطنية المتصلبة، ورغم عظمة هذه الثورة الا أن التفاؤل ظل حزرا للوعي بتعقيدات تركة النظام البائد المثقلة بالأزمات، وعند تكوين حكومة الفترة الانتقالية عمت البشريات أرجاء الوطن، احتفالا بدحر النظام وتشميرا للسواعد لاقتلاعه من الجزور، ومازالت هذه العملية مستمرة ولكن بسلحفائية لا يُحسد عليها، وفي خضم ذلك تفاجأنا تكوين المجلس الأعلى للسلام في انتهاك صارخ للوثيقة الدستورية التي جاء فيها تكوين مفوضية السلام تحت إدارة مجلس الوزراء وبرعاية المجلس السيادي، ولكن المكون العسكري تمادي في ذلك ليفرض هيمنته وسيطرته علي إدارة الملفات الاستراتيجية، وسط (ململة) بسيطة من السيد رئيس الوزراء كما جاء في إحدى مقابلاته التلفزيونية، وتصريح (خجول) من الحرية والتغيير و(اعتراض) واضح من بعض مكوناتها ولجان المقاومة، ليستسلم الجميع بنهاية المطاف لسياسة الأمر الواقع!،عطفا علي ذلك تثور عدة أسئلة موضوعية، علي ماذا راهن الممون العسكري في السيادي؟ وهل يمكنه فعل ذلك دون أي مشاورة أو ضوء أخضر من طرف ما؟ ولماذا أتت ردة فعل السيد رئيس الوزراء لا تتناسب وحجم التغول على صلاحياته؟ في قضية محورية لها أبعادها على مسيرة الفترة الانتقالية؟ وهل يجوز لنا القول إن هنالك شبهة تواطؤ ما قد حدثت؟! وماهي أطرافها التي تتحكم في بوصلة اتخاذ القرارات؟ وهذا يدلل على أن هنالك أكثر من حاضنة لحكومة الفترة الانتقالية تتنازع على تباين رؤاها وهذا كفيل ليحدث الأثر السالب على إنجاز مهام واستكمال استحقاقات ثورة ديسمبر المجيدة، وسيخلق مزيد من التعقيدات على هذا الحال البائس. وقعت اتفاقية جوبا للسلام مع الجبهة الثورية وسط هذه الأجواء المشحونة بانتهاكات الوثيقة الدستورية، ورغم أنه أتي منقوصا لا نجد بد من مباركته لحقن دماء أبناء الشعب، وليترجم الي واقع ملموس في معسكرات اللاجئين والنازحين، كان من الممكن أن تضم طاولة المفاوضات جميع حركات الكفاح المسلح إذا كانت هنالك رؤية موحدة ومتفق عليها من الجميع، معززة بالهم الوطني الصادق، ومترفعة عن صغائر الأمور التي لا طائل من ورائها، لغياب ذلك غلب حس الاستسهال لأمهات القضايا ولم يُبزل المجهود الكافي مع الحركة الشعبية شمال بقيادة (الحلو) وحركة تحرير السودان بقيادة (عبدالواحد) التي مازال التواصل معها شحيحا؟ في مشهد يعبر عن خلل ميزاني وتغليبه للمصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية للأمور لكل من ساهم في ذلك، وعلى أن عقيلة النظام البائد ما زالت تبث سمومها في عز نهار الثورة.! ورغم ذلك استطاع اتفاق (الحلو – حمدوك ) اختراق هذا الجمود، وكانت خطوة مهمة لتأكيد الرغبة الحقيقية من قبل حكومة الثورة لاستكمال السلام، ولكن التمنيات الشكلية لا تجدي فتيلا، حيث لابد من توفر الإرادة السياسية والحوار الجاد حول الملفات العالقة، وتوج ذلك ببداية الورش الحوارية في جوبا بين الحكومة الحركة الشعبية شمال (الحلو) ولكن سرعان ما أعلن عن تعرضها للانهيار، وورد في الأنباء أن المفاوض الحكومي تغيب عن معظم جلسات الورشة، وللأسف هذا يُدلل علي عدم الجدية لوفد التفاوض الحكومي، وهل يمكن أن نصل الي نتائج إيجابية ؟بهذه الطريقة المزاجية التي تعبر عن قمة الاستهتار لهذه القضية الحيوية؟، ولهذا المطلب الثوري الذي توسط شعار الثورة؟ وجاء أن الوفد الحكومي بقيادة الفريق كباشي قد اعترض على فصل الدين عن الدولة رغم ترحيبه به بنهاية ورشة سابقة؟؟! مطلب الحركة التي ظلت متمسكة به استنادا على رؤيتها كونه مدخلا لإعادة بناء السودان الجديد، ويأتي الاعتراض بانه ليس من اختصاصات حكومة الفترة الانتقالية، وفي تقديري أن هذه الحجة قد سقطت تماما وتم قبرها لحظة التطبيع، ولماذا مسألة التطبيع من صلاحياتكم وهذه ليست ضمن صلاحياتكم؟ وماهي المعايير التي استندتم عليها في ذلك؟ فعلى الحكومة بمختلف مستويات هياكلها و(حواضنها) السياسية وضع المصلحة الوطنية هي الأساس التفاوضي، فاذا كان قد تم رفع العقوبات مقابل التطبيع فالأفضل لحالة الوطن الأكثر هشاشة القبول بفصل الدين عن الدولة مقابل سحب ملف المطالبة بحق تقرير المصير درأً لاستمرار التشظي واستكمال السلام المرتجى والمستدام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة