لم يعرف السودان منذ الاستقلال وعلي مدار حكامه المتعاقبين ، حتي مجئ ما يعرف بـ"الإنقاذ" وما تلاها ، مثل هذه العمالة البائنة والإستهبال والمدارة السياسية ، فالذين يحكموننا الآن ، لم يروا كيف كان السودان الحقيقي ، الذي كنا نعزه ونفتخر به . لم يروا ، المغفور له ، بإذن الله تعالي ، الزعيم الازهري في مؤتمر " باندونج "وهو يرفع علم السودان "بمنديل" ليقول للعالم : نحن هنا ، دولة مستقلة ، لم يروه وهو يجلس علي عرش ملكة بريطانيا العظمي كي يرسل رسالة تحدي علي أن السودان ، سودان عزة وكرامة ،لا يهاب من أحد . لم يروا الشعب البريطاني وهو يحي ، المغفور له ، الرئيس عبود علي جانبي الطريق ، بينما إعلام صاحبة الجلالة المقروءة والمسموعة والسينمائية، تصف السودان بأنه "أعظم دولة في افريقيا" ومع ذلك ، وصف عبود فيما بعد بأنه كان دكتاتورا.
ربما عاش الكثير منا فترة حكم الرئيس جعفر نميري ، وما بذله من جهد للحفاظ علي وحدة السودان ورقيه ونهضته والاحتفاظ بتوازنه الإفريقي والعربي ، يدافع عن المصلحة العليا للبلاد ، فقد كان يقف مع القضايا العادلة في العالم ، بل وصل الأمر الي استنفار الشعب لجمع قرش الكرامة ، كي يرد قيمة دين من القذافي وبعد ثمانية عشر عاما من حكمه ، انقلب عليه التنظيم العالمي للإخوان المتأسلمين ونزعوا منه السلطة ، بزعم أنه كان "دكتاتورا". اسأل الله له الرحمة والمغفرة ، فقد مات عفيفا شريفا ، لم يدنس بزنه وعقيدته العسكرية إذ ، لم يأكل أموال الناس بالباطل ولم يجوع شعبه ولم يحصد أرواح الأبرياء من شعبه ولم يبع ممتلكات الدولة أو يفرط في أي جزء من أرضها وحتي تاريخه ، ثبُت أن آخر الضباط العظام الحق قد انقرضوا من هذا البلد .
لم تتعلم أحزابنا السياسية وبعض حكامنا الذين مروا علي تاريخ السودان أن الارتهان للأيدولوجيات المستوردة ، التي أفرزت العمالة والقذارة السياسية لم تأتي بداية إلا من الجارة مصر، فراحت الأحزاب السياسية تنتهجها وتضرب بعضها بعضا، دون الاعتبار للمصالح العليا للبلاد ، التي أولها وآخرها السيادة ، ثم السيادة ، ثم السيادة وقد فشلوا كلهم في مواجهة التحديات الكبرى التي واجهتهم والمتمثلة في بسط كامل السيادة علي البلاد ، تأسيس دستور دائم والاستفادة من الإمكانات المهولة التي حبانا الله بها لرقي ونهضة البلاد والعباد .
ولقد ادركت ذلك ، المغفور لها بإذن الله تعالي الدكتورة أحلام عبد الرسول ، استاذة التاريخ بجامعة النيلين ، إذ لما رأت هذا الهرج السياسي ، اقتنعت تماما بفشل النخب المزعومة ، فنادت بعودة السودان إلي تبعية التاج البريطاني ـ ليس حبا في الاستعمار ولكن لإدراكها أن حكامنا ، يفسدون في الأرض ولا يصلحون ولأن دعوتها ارعبت واربكت حكام الإنقاذ ،ثم لم يجدوا لذلك مخرجا ، إلا ليفتروا عليها ويودعوها مصحة عقلية حتي ماتت فيها قهرا.
كان هذا سادتي مجرد استعراض ملخص لما إليه حالنا ، مما فعلته بنا أحزابنا السياسية وأولهم العسكر ومعهم بقايا حكامنا السابقون والبائدون ويبدوا أن حكامنا الحاليون ، قد بدأوا يسيرون علي نفس الدرب ولكن ، بطرائق تكتيكية مختلفة ، إذا استمرت علي هذا النحو ، ستنتهي حتما بتقسيم السودان إلي دويلات!!.
لتبقي جذوة الثورة حاضرة في فلوبنا وخاصة الشباب ، فقد باتت ممهورة بدماء شهداء وضحايا كثر ، فأصبحوا والبلاد أمانة في رقابنا ولنعلم جميعا أن أهداف الثورة لا تتحقق بالتنظير والتجهيل والمكر السياسي ، فربنا جل وعلا، هو الذي خلقنا أحرارا وهو السلام وهو العدل وهو القاهر فوق عباده وهو العالم بأحوالنا " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " الملك- آية14.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة