بمجرد ان تحاول البدء في العمل حتى تقطع الكهرباء.. تستيقظ الساعة الخامسة لتقف في صف البنزين، واذا كنت محظوظا وملأت سيارتك خلال اربع ساعات، ستنتقل لطابور الخبز، وبعد ثلاث ساعات، وعندما تصل لنافذة الفرن يأتي شرطي او دعم سريع او عسكري جيش ويأخذ ما تبقى من طاولة الخبز فتبحث عن فرن آخر. واذا اعترضت يمكن اطلاق رصاصة على راسك كما حدث في فض الاعتصام. ثم يستغل احد الانتهازيين السياسيين اسمك ويطالب بدم الشهيد امل الكردفاني، فيتم تعيينه وزيراً، وكلما تاخرت العطايا عنه لاك اسمك مطالبا بدم الشهيد الكردفاني الذي مات وشبع موت وهو الان في جهنم يخطط لقلب نظام الحكم السماوي مع شياطين الجحيم. واذا كنتَ محظوظاً وحصلت على الخبز، فلا مانع من حمل انبوبة الغاز على ظهرك كسنام الاحدب في كل مكان، فلعلك تجد طابور غاز. ويمكنك رشوة بعض الجماعة الطيبين، للحصول على انبوبة من الباب الخارجي. وعندما تعود للمنزل ليلاً من جهادك اليومي، ستجد الكهرباء مقطوعة، وتقبع تحت رحمة البعوض، الذي يمارس غزواته عبر حرب العصابات (الكر والفر والاستنزاف). وعندما تعود الكهرباء، فحاول ان تهدئ من روعك قليلاً، ولتحصل على حمام، وبالتأكيد لو الماء مقطوع فأنت قد قمت بعمل احتياطاتك السابقة فملأت البرميل والجرادل التي باعكها مدني جرادل، ويمكنك تاجيل التغوط لوقت لاحق، فتدنكل سفة كاربة، وتنام على جنبك الأيمن.. لازم جنبك الأيمن لكي تواجه رقيب وتسجل عنده احداثك اليومية، وتترك لعتيد باقي المهمة التاريخية. لا يوجد شعب محظوظ في هذا العالم مثل (شعبنا- بلغة حمدوك)، فالحكومات منذ الاستقلال، تخلق برنامج يومي ممتلئ للفرد full time distraction ، وبالتالي تحول بينك وبين الافكار الهدامة، والاعتباطية، فالبولندي والنمساوي والألماني، يفكر دائماً في قضايا انصرافية شيطانية كافرة؛ مثل: هل الله موجود حقاً؟ ما معنى حياتنا؟ لماذا نحن هنا؟ هل هناك بالفعل خير وشر؟..الخ مما جعل حالات الانتحار ترتفع ارتفاع كبير جداً بحسب آخر الإحصائيات العالمية، في حين أن حالات الانتحار في السودان قليلة جداً، وقد تنعدم طوال سنتين متتابعتين. لأن الحكومات تمنحه معنى الحياة مباشرة، تعصره فيؤمن بالله، تسحقه، فيعرف سبب وجوده في الحياة. ولذلك فاول وآخر طموحات الفرد السوداني هو الزواج وفتح بيت. وبالزواج يكون قد ساعد الحكومة في برمجة باقي أيام حياته حتى الموت، بحيث لا تمنحه اي فرصة للتفلسف. والحكومات السودانية، دونا عن سائر حكومات العالم، تساعد شعبها في تحسين صحته، فهي تجعل جسده متحركاً دائماً، يمارس مارثون ملاحقة المواصلات، ولعبة الوقوف لساعات في الطوابير، ولعبة الحركة اللولبية لاستخراج أوراق ثبوتية او إدارية أخرى، فالإنسان السوداني اكثر إنسان لائق صحياً، خاصة أن الحكومة تفرض عليه الرشاقة عبر الحمية الغذائية القاسية، فمثلاً لا يجوز للأسرة ان تشتري اكثر من خمسة وعشرين رغيف خبز في اليوم، إلا -طبعاً- إذا ذهب كل افراد الأسرة ليقفوا جميعاً في طابور الشراء حتى لو كانوا عجائز أو معاقين أو مرضى، فالحكومة تعلمهم مواجهة ضعفهم إتباعاً لفلسفة إرادة القوة النيتشوية، ولتحمي الحكومة الشعب من الأمراض الناتجة عن السمنة والشحوم الزائدة في الجسم، فهي ترفض تسعير السلع الغذائية، فسياسة التحرير هي سياسة صحية بامتياز، والشعب نادراً ما يأكل اللحوم، والخضروات، أما الفواكه، فقد تركها المواطن لما بعد دخوله جنة الله (وفاكهة مما يشتهون)...وهكذا وكما قال وزير الصحة السابق مأمون حميدة، على الشعب ان ياكل الضفادع لأن فيها بروتينات عالية، وهل نحن افضل من الصينيين مثلاً لكي نترفع عن اكل الضفادع والكلاب والخفافيش. وبالفعل أمتثل الشعب لنصائح الحكومة، ففي المناطق الطرفية أضحت هناك أسواق بها جميع الكائنات الحية المشوية، بل وقد اكتشفت قناة ناشيونال جيوغرافيك ان بهذه الاسواق حيوانات نادرة، فصورت حلقة مع عمك اب سفة الذي يبيع هذه المشويات طازجة من جحورها للشواية ثم للمعدة مباشرة. ما أعظم حكوماتنا الجميلة، الذكية، التي جعلتنا اقوى من قوات الصاعقة، أقوى في التحمل والصبر والجلد، وجعلت أجسادنا رياضية صحية، فجنبتنا امراض الرفاهية كالسكري والقاوت والبواسير. اللهم أدِم على شعبك هذه الحكومات قادر يا كريم.. اللهم يسر لهذه الحكومات المزيد من الأفكار العبقرية، والجهود العبثية، واكثر اللهم من أمثال جرادل وكريشنا وأب جقاجق..إنك على كل شيء قدير.. المواطن الشاكر وحامد أمل الكردفاني..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة