في مثل هذا اليوم من 15 عاماً رحل الدكتور جون قرنق في 2005 بعد ثلاثة أسابيع فقط لولوجه القصر في السُودان نائباً لرئيس الجمهورية ضمن ترتيبات سلام (نيفاشا ) في حادث تحطُّم طائرة مروحية لفها الضباب وسقطّت أعلي الجبال في الغابات في طريق عودته من كمبالا بيوغندا حيث كانت محطته الأخيرة في هذه الحيّاة .. ناضل الدكتور جون قرنق سنوات طويلة وكان من المؤسسين الأوائل للحركة الشعبية من الجنوبيون ، وخاض معركة طويلة ضد نظامي مايو ثم الإسلاميين في حرب مُمتدة لتحرير السُودان وفق رؤيته للسُودان الجديد والتي تقوم علي فلسفة إنشاء دولة للمواطنة المُتساوية في السُودان دون تمييز ، و إنهاء كافة أشكال التمييز بين بنات وأبناء السُودان وأن يُحكم فيه بدستور علماني يحترم التعدد الإثني والديني والثقافي في السُودان وفقاً لهوية مجموعها في السُودانية غض النظر عن العرق أو القبيلة والإثنية .. مع القِسمة العادلة للسُلطة والثروة في كل السُودان .. هذا هو جوهر مشرّوع السُودان الجديد لجون قرنق الذي كان يؤمن بالوحدة والعمل علي تحقيق مشرّوعه في أرض الواقع .. بعد 16 عاماً من رحيل د.جون المأسآوي وبالنظر لحال الحركة التي تركها والمشرّوع الذي قدّم له كُل حياته نجده قد تلاشي تماماً وذاب في ظل الصراعات والإنقسامات التي طالت الوطن أولاً بإنفصال الجنوب نفسه ، ثم نشوء الحرب الأهلية وحروب الإبادة والتطهير العِرقي في دولة جنوب السُودان الجديدة ، والإنشطارات الداخلية في حركته تبعاً لصراع السُلطة هنالك ، ثم تحول جزء مما تبقي من حركته بالشمال لتنظيم للحركة بذات الأهداف والمشروع وهو مشروع السُودان الجديد ، ثم ما لبست ذات الحركة في الشمال أن إنقسمت لقسمين رئيسين مابين مجموعة الرفاق مالك عقار و ياسر عرمان ومجموعة الرفيق عبدالعزيز الحلو ، ثم بدأت سلسلة من الإنقسامات الأخري خرجت من عباءة مجموعة عقار وكونت تنظيمات جديدة .. كُل هذه الإنقسامات كانت نتيجة طبيعية لغياب رؤية المشروع نفسه والذي تأسست عليه الحركة ، فلم يعد مشروعاً للسُودان الجديد وتقسّم دم مشرّوع الحركة الشعبية بين القبائل والإثنيات و الصراع القيادي مابين دولتي جنوب السُودان وشمال السُودان .. واحدة من إشكاليات المشرّوع أنها قامت علي العقيدة العسكرية والتي في حال أي صراع تنشطر المجموعات الإثنية مع قيادتها العسكرية ، لأنها إن كان الولاء للبرنامج والمشرّوع نفسه لما إنقسمت ، وفشل المشروع كذلك ولم يصمُد لأن القيادة لم تتبع السلوك الديمُقراطي داخل الحركة وهذا شئ يتفق مع الطبيعة العسكرية للحركة التي تعتمد علي الأوامر الميدانية والتراتبية والأقدمية ، مشروع الحركة الشعبية لا يصلُح أن تُبني به دولة ديمُقراطية تؤمن بقبول الآخر و تؤمن بالإختلاف الديمُقراطي ، وتؤمن بالتعدد الإثني و تؤمن بمداورة السُلطة وعدم التشبث بالقيادة وكراسيها بذات التركيبة ، فأنت لا تستطيع صُنع حلوي حُلوة المذاق و المكون الرئيسي هو الملح فقط ! .. لكُل هذا بغياب دكتور جون قرنق فُقد المشرّوع وفشل في أرض الواقع ولم تبقي منه إلا محاولات التمسك بالإسم فقط دون تحويل رؤية السُودان الجديد لواقع ! .. النضال السِّلمي المدني الديمُقراطي والذي نجح في ثورة ديسمبر يجب أن يكون هو الأساس للتغير نحو التحول الديمُقراطي وإنشاء دولة المواطنة والعدالة والحُريات في السُودان .. فحرام أن تكون تكلفة المشرّوع الجديد هو ملايين من ضحايا الحرب وملايين من النازحين والمُشرديّن ووطن تمزّق وصراع لا ينتهي وحلول لا زالت تُرجي من البعض من خلف أصوات البُندقية ! .. التحية لذكري دكتور جون قرنق والذي بغيابه فُقد المشرّوع ولم تبقي منه إلا أطلالُه .. نضال عبدالوهاب .. 30 يوليو 2021 ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
نضال عبدالوهاب
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست