بدأت ظاهرة النهب المسلح تنتشر داخل العاصمة الخرطوم، يتزامن ذلك مع انفلاتات أمنية واسعة في أطراف العاصمة والأقاليم، ونذر وشيكة بمعارك اهلية قد تتطور لحرب أهلية إذا استمر تدفقها بهذه الوتيرة على فضاء السلم الإجتماعي. لا شك من الدور الكبير الذي تلعبه الضائقة الاقتصادية منذ أواخر ٢٠١٧ والتي تضاعفت بدالة هندسية جنونية، لقد كان سعر الدولار في ذلك الوقت حوالى ٢١ جنيه، واليوم ينطلق فوق المائة وستين جنيه، وبالتالي تضاعفت أسعار السلع بما يتجاوز دخل الفرد. فليست الدولة الآن هي فقط المصابة بعجز الميزانية، بل الفرد في الواقع هو الذي يعاني من عجز ضخم، مع زيادة التعطل عن العمل، وعدم وجود بصيص أمل. لقد بدأ الإنهيار منذ ٢٠١٧، ووفقاً لإحصائيات دولية اطلعت عليها قبل بضعة اسابيع على الإنترنت، كان عام ٢٠١٧ هو قمة ارتفاع نصيب الفرد من الناتج القومي، ثم بدأت حالة الإنهيار بسرعة. هذه هي الإحصاءات الدولية، لكن في الواقع بدأ الإنهيار فعلياً وبشكل غير محسوس منذ أواخر ٢٠١٤ وبداية ٢٠١٥. لقد كتبنا في ذلك الوقت وما بعده محذرين من إفلاس الدولة، ويبدو أن الإفلاس الذي وصل ذروته الآن لا زال طي الكتمان، رغم أنه لم يعد بالإمكان الإستمرار في إخفاء الحقيقة أكثر من ذلك. أصبح الوضع لا يطاق بالنسبة لمن يملكون مالاً من الطبقة الوسطى وهي الأقلية، فما بال الغالبية من المسحوقين. الحاجيات الأساسية؛ كالخبز تضاعف سعرها، والآن سيصل سعر رغيف الخبز ربما عشرة جنيهات، مع ارتفاع في سعر الفول المصري، ومقومات الطعام الأساسية الأخرى من زيت وبصل بل وملح، أصبحت علبة مرقة الماجي ب١٢٠ جنيه، بعد ان كانت سبعة جنيهات، اللحوم تضاعفت واقترب سعر الكيلو من حاجز الألف جنيه، إيجارات المنازل، تجاوزت الخمسة عشر ألف جنيه للشهر الواحد في منطقة شعبية، وبمساحات صغيرة. ارتفاع اسعار المواصلات العامة، من ثلاث جنيهات لثلاثين وخمسين ومائة بحسب المسافة، أما المواصلات الخاصة فتجاوزت الألف جنيه، بسبب رفع الدعم، وبالتالي تضاعف اسعار الوقود مع شح توفره (بنزين أو جاز). عدم توفر غاز الطبخ، وارتفاع سعر جوال الفحم ليصل إلى ألفي جنيه، وربما يكون زاد الآن. زاد حصار النظام للشعب بحجة كورونا الطين بلة، ولم يعد بإمكان الطبقة المسحوقة إلا اقتراف الجريمة لكي تطعم الأفواه. يكشف علم الإجرام، أن الجريمة في عصر القحط والكوارث، تجد لها تبريراً مقبولاً في نفس المجرم. وهذا التبرير يضعف من وازع الردع الأخلاقي والإجتماعي، مما يزيد من اتساع دائرة الجريمة يوماً بعد يوم، خاصة مع حصار العاصمة من الأطراف بالمسحوقين، وتكدس المال في المركز عند طبقة عليا وهي اقلية، بحيث يمكن مشاهدة الفجوة الطبقية الضخمة بوضوح عند مراقبة الإنفاق المالي الضخم في محلات الهايبر ماركت، وفي المقابل، التضور جوعاً خارجها. يخلق ذلك تبريرات أخلاقية للجريمة، ويوجهها من الأطراف إلى المركز، قبل أن تتحول لعمليات نهب واسعة النطاق، بحيث تعجز القوى الأمنية عن مواكبتها بالأعداد اللازمة والقوة المكافئة. لقد حذرنا منذ سنوات مما يحدث الآن، ولكن من الواضح أن الصراعات السياسية، والبحث عن السلطة والاستحواذ والتكويش والإقصاء، قد حجب أي بصيص امل للخروج من كارثة إفلاس الدولة، وارتفاع معدلات جرائم الفقر. هذا النداء؛ هو النداء الأخير للسيد حمدوك، فإما أن يضع خطة واضحة ومعلنة لمعالجة الوضع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو أن يعلن فشله وانسحابه من صدر المشهد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة