من الطبيعي وبعد ثلاثين عاماً من غياب المؤسسية وتكديس إمكانيات الدولة ومواردها وقوانينها لصالح فئة محدودة ، بدأت مسارات إستيلائها على مُقدَّرات الأمة بمشروع سياسي وعقائدي غير مُتفقٌ عليه ، ثم وفي منتصف المسير إنفرط عقد هذا المشروع المشوَّه وتاهت معالمهُ في ظُلمات المصالح السياسية والشخصية والصراعات التي إنحصرت طيلة تلك الأعوام في دائرة حماية (الغنائم) ومُقارعة وتصفية الخصوم ، من الطبيعي أن لا نستطيع نحن المُنتمين إلى (عامة) الشعب أن نتقبَّل أو نتماهى مع قواعد منطقية الأشياء وما لا سبيل إلى تعديلهِ بالقوة ولا الإلحاح ولا المُكابره لأنهُ ببساطة جزءٌ من ما جبَل الله عليه الكون وصورة من طبائع الأشياء.
على مستوى المنطق إن كنا من المُحايدين لا يمكن أن تكون الفترة الزمنية التي تم فيها تقييم الوزراء الذين قُبلت إستقالتهم أو أُقيلوا كافية للحكم عليهم بالفشل أو حتى مُجرَّد ضُعف الأداء وذلك بالنظر إلى كونهم جميعهم إذا ما أعتمدنا فكرة (إستلاب الدولة) من قبل نظام الثلاثين من يونيو ، فقد كانوا (يؤسِّسون) مواقعهم وأدواتهم وكوادرهم وبنياتهم التحتية من جديد ، فالفرقُ شاسع بين أن تستلم منصب في (دولة) وبين أن تستلم (ضيعة) كيزانية كبيرة مُترامية الأطراف ومُتعدِّدة المصالح ومُعقَّدة الروابط وفوق كل هذا وذاك خاوية من المعلومات والمراشد والضوابط والقوانين واللوائح التي تحكُم مسارات الأداء ننفسهُ ، لذا كنتُ من الذين يتمنَّون أن تسمح (ظروف المرحلة) أن نستفيد ولو لمرة واحدة في تاريخ حكومات السودان المُتعاقبة من (إسترسال) وزير أو مسئول فيما يسعى حتى يصل إلى مرحلة حصاد زرعهِ الذي خطَّط لهُ ، ولكن على ما يبدو هذه أقدارنا وهذا مصيرنا وفي سبيل تفادي سلبيات الناتجة عن ذلك ليس لنا إلا الصبر ومواصلة النُصح والتعويل على وعي القيادة العُليا وفي مقدمتها السيد / رئيس الوزراء.
على حمدوك وبما أننا نقِرُ جميعاً أن السلام أولوية وأن من إستحقاقاته تقسيم المناصب والمسئوليات ، أن يُعمل نفس الإجراءات التي إعتمد عليها حين رفض أول مذكرة ترشيح لوزراء حكومته الأولى التي قدَّمها تجمُّع قوى الحرية والتغيير ، عليه أن يكون حريصاً على أن يُقدِّم شركاء النضال المُسلَّح أفضل ما عندهم من كوادر حائزة على الكفاءة والشجاعة والقُدرة على تحمُّل المسئوليات الجسيمة التي ستضطلع بها الحكومة الإنتقالية في ما تبقى لها من زمن ومهام ، كما أتمنى وبما أن الوزراء السابقين كانوا يعملون وفق برنامج (موحَّد) ومُتفَّق على عمومياته التي يعلمها رئيس الوزراء والحاضنة السياسية للحكومة الإنتقالية والتي تؤطِّرها شعارات الثورات ومطالبها (حرية - سلام - عدالة) ، والتي تفرَّعت منها مطالب مليونية 30 يونيو 2020 المُجملة في إستكمال هياكل الدولة وتعجيل إجراءات تحقيق العدالة السياسية والجنائية والإهتمام بأمر الصعوبات المعيشية والحياتية اليومية لعموم أهل السودان ، أتمنى أن (يُلزم) كل وزير جديد بـ (المواصلة) فيما كان يعمل فيه الوزير السابق ، لأن برنامج العمل والأهداف مُحدَّدة ومُتفق عليها وجُلَّها في هذا المرحلة الإنتقالية مُستوحاة من روح الثورة ومطالبها وشعاراتها..لا تبدأوا من جديد فقد أنجزنا الكثير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة