إرتبطت مسيرة التعليم في السودان بثلاثة شخصيات حتي الآن، وهم محي الدين صابر، وزير التربية والتعليم في عهد مايو، ثم عبد الباسط سبدرات، وزير التربية والتعليم في حكومة الإنقاذ، واخيراً الدكتور عمر القراي مدير المركز القومي للمناهج.
للأسف لا تزال قضايانا الوطنية ترطبت باشخاص بعيداً عن المؤسسات، و هذا يعكس حالة الهزيمة امام مُتطلبات الدولة المدنية، و الإنكسار، كسائر دول العالم الثالث التي تبحث عن نهضتها تحت اقدام الزعماء، و الديكتاتوريات، باشكالها المختلفة.
لا يختلف اثنان بان التعليم هو اساس النهضة، والتطور، في بناء الإنسان.
اقر نظام جعفر نميري بعدم تلبية التعليم لمتطلبات التنمية الإجتماعية في البلاد، فلابد من هيكلته، وإعادة صياغته.
مهندس هيكلة التعليم في عهد الرئيس نميري هو محي الدين صابر وزير التعليم في السودان، ومدير المنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم!
من المعروف ان السودان من الدول التي ورثت افضل نظام إداري، و تعليمي من المستعمر الإنجليزي، و ظل هذا النظام معمول به حتي إنقلاب مايو.
كاول إرتباط لتوجه السلطة الحاكمة، إنعكس علي التعليم حيث اصبح مطابق بشكل شبه كامل لمنظومة التعليم في مصر في الهيكل، والمنهج.
جاءت الإنقاذ لتقر بعدم كفاءة نظام التعليم للوفاء بمتطلبات التنمية، فقررت هيكلته، وإعادة صياغته، ليواكب رغباتها و توجهاتها.
بدأ عبد الباسط سبدرات هيكلة التعليم في سبتمبر 1990 ليصبح 8-3 بدل من 6-3-3 في اول خطوة يُعتبر فيها السودان الدولة الوحيدة في العالم تعتمد 11 سنة للتعليم الاساسي بدل 12 سنة، وبها فارقنا المعايير الدولية " فراق الطريفي لجملو".
تمت عملية شاملة في تغيير المناهج، بان تكون جميع فروع المعرفة مستوحاة من القرآن الكريم، و كتب الحديث.
في 1991 قررت حكومة الإنقاذ مضاعفة القبول للجامعات، وإعتماد اللغة العربية، في التدريس بدلاً عن اللغة الإنجليزية، وتُعتبر هذه الخطوة آخر مسمار في نعش التعليم.
قبل سقوط النظام الهالك بدأت الاصوات ترتفع بضرورة العودة للسلم التعليمي القديم، و اقروا بإستحياء فشل التجربة، وبدأت مناقشة الامر في البرلمان الذي يضم في عضويته اكثر من الثلثين من النواب لا يجيدون القراءة والكتابة " امييون". حالة تعكس مأساة وطن اصبح الجهل فيه سيداً.
بعد ثورة ديسمبر المجيدة كان لابد لهيكلة الدولة السودانية، ومن اول اولوياتها تأهيل التعليم، كعامل اساسي في النهضة، والتقدم.
شغل عمر القراي منصب مدير المركز القومي للمناهج، وإنقسم الشعب السوداني حول الرجل، واصبح جلياً ان ظاهرة الإنقسام هي سياسية بإمتياز.
تُعيدنا عملية الإنقسام إلي التمحور حول شخص بدلاً عن المؤسسات، في حالة تعكس بُعد مفاهيم الثورة عن ارض الواقع في التطبيق، والعمل.
من اسوأ ما لازم حكومة الفترة الإنتقالية ضعفها الإعلامي، وعدم مواكبتها للأحداث، فكان علي الحكومة ان تتصدى لهذا الإنقسام الحاد في المجتمع، وتوضيح الآلية التي تُتعتمد في وضع المناهج، و هيكلة التعليم، حتي يطمئن اولياء الامور، الذين تُركوا للسابلة، واصحاب الاغراض، واصبح هذا الامر مهدد لحكومة الثورة بشكل اساسي، في حشد، وتعبئة البسطاء بمفاهيم خاطئة ليتم إختزال كل العملية في شخص القراي و توجهاته الفكرية، وميوله.
يجب إعتماد المؤسسات، ومراكز البحوث، والدراسات في إرساء دعائم الدولة، بعيداً عن شخصنة القضايا التي تدعو وتشجع بيئة الإنقسام، حسب ميول وتوجهات الاشخاص، وإنتماءآتهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة