ما هي فرص فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددا بفترة رئاسية ثانية في ظل هبوب رياح جائحة كورونا العاتية؟. مركز الدراسات الإستراتيجية البريطاني "تشاتهام هاوس" يرى أن انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام 2020 المقررة في نوفمبر القادم لن تكون بمعزل عن تأثير الجائحة ومن المحتمل أن يكون إجراؤها أثناء فترة استمرار الجائحة. ونوهت ليندسي نيومان الباحثة بالمركز بضرورة التحسب والتخطيط من وقت مبكر لكيفية إجراء هذه الانتخابات سواء كان الأمر أثناء استمرار الجائحة أو حتى لو صادفت انقضاءها. منافسو وخصوم ترامب يحذرون من لجوئه لخيار تأجيل موعد الانتخابات باعتبار أن رياح الكورونا لا تأتي بما تشتهي طموحاته الرئاسية. وبدأ ترامب يواجه صعوبات وتحديات في إدارته لكارثة الكورونا في بلاده ولهذا يبحث عن أسباب لتأجيل الانتخابات حتى يدبر أمره ويدفع شبح مهددات تأثّر شعبيته سلبا جراء فشل إدارته في مواجهة الجائحة التي غدت تحصد أرواح الأمريكيين بشكل متصاعد بينما فقد نحو 16 مليون مواطن وظائفهم. ومن الخيارات المحتملة أن يوجه ترامب خطابا للأمة يعلن فيه فرض حالة الطوارئ وتأجيل إجراء الانتخابات، بيد أنه لم يشهد تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية أي تأجيل من قبل، فمن الناحية الدستورية لا يمكن تأجيل أو إلغاء الانتخابات الرئاسية إلا تحت ظروف قصوى. وسبق أن أجريت انتخابات رئاسية في حالات الحرب، وحتى أثناء الحرب الأهلية، وحتى تأجيل الانتخابات المحلية كان نادرا جدا في التاريخ الأمريكي. ولم يزد عن مدة أسبوعين. ومنذ إجراء الانتخابات الرئاسية لأول مرة في 1845 أي قبل 175 عاما لم يتغير موعدها، الذي يحتاج تغييره إلى إصدار قانون جديد من الكونغرس بأغلبية الثلثين، وألا تعترض عليه السلطة القضائية. ولا يستطيع ترامب إلغاء أو تأجيل الانتخابات عن طريق أمر تنفيذي رئاسي، كما هو الحال إزاء أمور أخرى. لكن يبدو أن ترامب لا يقف مكتوف الأيدي ففي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، أمر بطباعة اسمه على شيكات الإعانات التي سيتلقاها ملايين الأمريكيين الذين يعانون مالياً بسبب انتشار فيروس كورونا وهذه المرة الأولى التي يطبع فيها اسم رئيس أمريكي على وثائق بشأن مساعدات مالية تقدمها الحكومة الفيدرالية. ولعل ترامب وهو يحذو هذا الحذو الميكيافيلي يقترب من استخدام الأساليب الفاسدة في الانتخابات، فكأنما يستغل الأموال العامة في الدعاية الشخصية وتعزيز سمعته في عام الانتخابات. وتلك المساعدات جزء من حزمة الإغاثة المالية للأفراد البالغ قدرها تريليون دولار، وقد أقرها الكونغرس مارس الماضي لمواجهة جائحة فيروس كورونا. ويعلم ترامب أن شعبيته ما قبل محاولة الجمهوريين عزله من منصبه بتهمة جنائية عقوبتها 5 سنوات خلال الأشهر الماضية ليست كما هي اليوم رغم أن محاولة العزل فشلت لكن "العيار الذي لا يصيب يدوش". مع العلم أن فوزه على منافسته هيلاري كلينتون جاء بصعوبة ولم يتفوق عليها إلا بأصوات قليلة وكان اعتماد فوزه بناءً على حسابات ناتجة عن نظام انتخابي معقد. وكانت معظم مؤسسات قياس الرأي العام قد أجمعت على تقدم كلينتون، حتى تلك التي كانت مكلفة من قبل حملة ترمب. فعلى سبيل المثال ذكر استطلاع لشبكة "NBC " وشركة "Survey Monkey " بعيد الانتخابات أن كلينتون تتقدم على ترامب بنحو 6 نقاط. كما ذكر استبيان لصحيفة واشنطن بوست وقناة "ABC News " أن كلينتون تتفوق بـنحو 4 نقاط. من جانب آخر بدا للمراقبين أن الحزب الديمقراطي المنافس ربما سهل المعركة الانتخابية على ترامب حين أصبح شبه المؤكد أن ينافس جون بايدن الرئيس ترامب خلال السباق الرئاسي وينتظر أن يسمّي الحزب الديمقراطي بايدن مرشحاً رسمياً له أثناء مؤتمر أجّل موعده حتى أغسطس القادم بسبب كورونا. ويبدو بايدن غير مناسب وسيوفر الكثير من الجهد على ترامب إذا ما اعتمد نهائيا؛ فالرجل عرف بالتردد المزعج فقد سعى من قبل إلى الترشح عن الحزب الديمقراطي للرئاسة في عامي 1988 و2008، وفشل في كلتا المرتين بعد عروض باهتة. وفي أكتوبر 2015، وبعد أشهر من التكهنات، اختار عدم الترشح للرئاسة في عام 2016. وفي ديسمبر 2016، لم يستبعد احتمال ترشحه للرئاسة عام 2020، ولكنه أعلن في 13 يناير 2017، أنه لن يترشح، إلا أنه تراجع عن هذا بعد أربعة أيام فقط وها هو يترشح. لقد شكل ترامب بخطابه العنصري المتماهي مع عقلية الكاوبوي الأمريكي في انتخابات 2016 آلة دعائية قوية فكسب السيطرة النفسية على دهماء الشعب الأمريكي. ولم تعد لغة العقل وحدها تكفي لتفسير ما يجري؛ فشخصية ترامب بأبعادها الدرامية هي من حقق النجاح. فالرجل سياسي مزيف؛ فلم يكن جمهوريا ملتزما بالحزب الذي ترشح باسمه ولم يكن يوما جزءًا من أي لوبي سياسي، ولم يمارس السياسة في حياته، وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يأت لا من الكونجرس ولا من السنت. ويعترف أنه لم يقرأ كتابا في حياته فقد أتى من السوق إلى البيت الأبيض. يرى المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في مقال نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية قبل سنوات، أن حياة ترامب المهنية أظهرت تصميمًا أحادي التفكير لتحقيق أقصى قدر من المصلحة الذاتية، والالتفاف على القواعد كلما وقفت في طريقه. وخلص إلى أن إستراتيجية ترامب تقوم على استخدام كل ما يتاح له لترهيب كل من يقف في طريق أجندته السياسية. ويعمل على ترهيب وسائل الإعلام الرئيسية، والنيل منها، وتقويض قدرتها على محاسبته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
د. ياسر محجوب الحسين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست