|
خسارة الهوية ,, حصيلة الحرب السورية بقلم جورج ديوب
|
04:00 AM March, 16 2020 سودانيز اون لاين جورج ديوب-استراليا مكتبتى رابط مختصر
مرت الذكرى التاسعة للأزمة السورية وما نتج عنها من مآسي وكوارث , وعبرت نحو السنة العاشرة لمستقبل مجهول إلا من الآهات والأوجاع وأنهار الدماء وذكريات راسخة في افئدة الجميع يصعب محوها من الذاكرة لشدة قسوتها . أصبح التظاهر ظاهرة صحية في كافة دول العالم سواء اقتصر ذلك على فرد واحد أو زاد عدده عن الملايين , وسواء كان المتظاهرون يتبنون أهدافا ومطالب عادلة حسب رأيهم أم كانوا يطالبون بأشياء تعتبر متعارضة مع عادات المجتمع وتقاليده ومتناقضة مع مصالح الأكثرية الساحقة من الشعب . والتظاهر حالة ضرورية لتقويم المسير وتصحيح الأخطاء التي قد تقع بها السلطة , بحكم أن الشعب هو من يتحمل النتائج المحتملة الناتجة عن مثل هكذا قوانين أو قررات , والتظاهر هو وسيلته لإيصال صوته إلى السلطات المسؤولة . وكل قوانين ودساتير العالم المتحضر ضمنت هذه الحقوق , لأن الشعب هو الذي يتكبد نتائج أخطاء السلطة , وليس رجالها , لأنهم بحكم مواقعهم لا يتحسسون معاناة الناس ومطالبهم الحياتية الضرورية . لكن عادة بعض فصائل المعارضة كثيرا ما تلجأ إلى العنف المسلح في مواجهة السلطة , دون حسابات دقيقة في موازين القوى , والنتائج المتوقعة التي قد توقع البلاد في أتون جحيم يدمر معه في حال انفجاره كل ما حوله من بشر وزرع وانهيار النظم الإجتماعية من عادات وتقاليد , كما أن المواجهة المسلحة مع النظام قد خاسرة بسبب عدم صوابية الحسابات . فالنظام متمكن من قدراته وعلاقاته السياسية والإقتصادية والعسكرية , وتسخير كل ذلك لصالحه , بينما المعارضة لا يمكن اعتبارها تفتقر لبعض عناصر القوة وهي كثيرة , مثل انعدام الحريات العامة , وعدم المساواة بين المواطنين وانتشار الفساد والمحسوبيات وانعدام فرص العمل وغيرها , وكل ذلك مقبول ومحرض للتظاهر . أما الخطأ الذي وقعت فيه المعارضة السورية هو الإدعاء بطائفية النظام لكسب دعم طائفة أخرى , أدى ذلك إلى شرخ طائفي داخل المجتمع السوري يصعب ترميمه لعشرات السنين , كا أن ادعاءها برغبتها بإقامة نظام مدني ديمقراطي عادل يبقى غير مضمون الجانب , وما يعيقه هو تشتت وتعدد كيانات المعارضة واختلاف وجهات نظرها في شكل الحكم وطريقة إدارته لتصل حد التعارض الكامل , لهذا فالوعود التي أطلقتها المعارضة السورية لم تكن مضمونة التحقيق . لقد أضحت المعارضة السورية فريسة قوى محلية وإقليمية ودولية , دفعها للتوجه لطلب الدعم والمساعدة لأطراف متعارضة ومتباينة في توجهاتها ومصالحها , فاجتذبتها تلك الأطراف وسخرتها لتحقيق مآربها الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح الشعب السوري وهذا ما حصل , ووقع مالم يكن بالحسبان وصل حد المواجهة المسلحة فيما بينها وبلغ العداء حدودا زاد عن حدود العداء للنظام نتج عنه تشتت قواها وضعفها وانحسارها عن مساحات واسعة من الأراضي , كما خسرت الحاضنة الإجتماعية التي كانت تعول على دعمها ومساندتها . أما النظام الذي تهددته المخاطر من كل الجهات , واصطفاف معظم دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا , لم يجد بدا من البحث عن أصدقاء يقفون إلى جانبه يدعمونه ويساندونه ويعينونه على تجاوز الأزمة وتأمين استمراريته في السلطة . فسارعت الأطراف المعروفة روسيا وإيران وميليشيات عربية من دول الجوار إلى التدخل السريع وبقوة إلى جانب الحكومة السورية , فكان لها دور أساسي وفعال أدى إلى رجحان كفة النظام وخسارة المعارضة كثيرا من المكاسب التي حققتها سابقا , ولولا الدعم التركي المقدم لها مؤخرا لخرجت تماما من المعادلة ولم يتبق لها وجود على الأرض إلا في فنادق الدول التي استضافتها . وهكذا تكون الهوية السورية قد تناثرت بين مجموع القوى المتناحرة على الأرض , ولم يعد هناك لهوية سورية موحدة يستطيع كل فرد سوري الإنتماء إليها . لقد كانت اللعبة خطيرة جدا , والشرخ الحاصل بين مكونات المجتمع السوري ستمتد آثاره السلبية إلى أجل غير منظور , ما لم يتم ترميمه بإجراءات جريئة وشجاعة تعيد اللحمة الوطنية بين كافة المواطنين . وتبقى العودة للوطن ولمشروعه المستقبلي الجامع الذي يتساوى فيه الجميع هو المنقذ وشاطئ الأمان الذي ترسو عليه سفن عودة اللاجئين .
|
|

|
|
|
|