ما بين مشارق الارض، ومغاربها سبعة عشر ساعة، ظللت حبيساً في مقعد لا املك سوى الذهاب إلي الحمام، واعود ادراجي، وظللت اردد بهمس يا ترى ماذا هناك في بلادي التي هي في الذاكرة بلا إنقطاع..
صعدت إلي الطائرة من مدينة صغيرة شمال شرق استراليا، مروراً بمدينة سيدني، لاحط الرحال في دالاس، حيث ودعت العالم الإفتراضي لاتركه صاخباً بزيارة ضيف البلاد الرئيس الالماني الذي لم يصل بعد..
إسترقت "الواي فاي" في مطار دالاس لبضع دقائق، وانا اركض وسط امواج بشرية، لالحق بقسط ما تبقى من الرحلة..
"الشمار شنو" اول ما وقع علي عيني في إحدي الصفحات" الرئيس الالماني يقول: "ليس من العدل ان يدفع السودان اخطاء النظام السابق"
ثم اكتفيت بهذا القدر من الشمار، وسرحت بعيداً، وانا اسير للمرة الثانية لثلاث ساعات، في مقعد ليحملني إلي مدينتي الهادئة في شمال الولايات المتحدة، لاقول للسيد الرئيس المفدى..
من العدل، والحق ان ندفع، ولا يدفع احد غيرنا..
لا يجب لأحد ان يدفع عنا اخطاء النظام السابق بكل تفاصيلها..
حتي ديونه يجب ان ندفعها مليم "ينطح" مليم، حتي لو يُفرض قسط شهري علي كل مواطن، وذلك تقريب للمسؤلية، لأنه في الاصل سيدفعها المواطن من مدخراته، وخزانته، التي فيها اموال ضرائبه، لاجل خدماته من صحة، وتعليم ابنائه، ومعاشهم، ورفاهيتهم..
يجب ان ندفعها لأننا وحدنا من يتحمل مسؤولية الصمت علي النظام البائد لثلاثة عقود..
يجب ان ندفعها لأننا وحدنا من فرط في حريته، و دولته، لعبث هؤلاء الرجرجة، والدهماء..
يجب ان ندفع كل اخطاء النظام البائد وآلامه، لأن الآلام ترقى الي درجة العبادة، لتذكر الناس بالإيمان والتقوى، وطريق الصلاح، كما كانت آلام السيد المسيح عليه السلام، نوراً، ونبراساً، تُتلى في ترانيم، وصلوات الإخوة المسيحيين إلي ان يرث الله الارض..
نعم يجب ان نجعل من هذه الآلام نبراساً، وهدىً، نحو دولة الحرية، والعدل، و المواطنة، والمساواة..
وفوق ذلك يجب ان نوثق لها في اعمالنا الدرامية، والثقافية، والمناهج الدراسية، لنذكر الاجيال جيل بعد جيل، بانهم لا يزالون يدفعون ثمن التفريط في الوطن، وتركه للسابلة، وقطاع الطرق..
نعم الامم العظيمة نهضت بعد آلام دفعت ثمنها لوحدها، وظلت محفورة في وجدان اجيالها تتوارثها بكل فخر وعز، لانها من دفع، ولم تنتظر من يدفع عنها..
ارجو ان لا نحرم انفسنا من ان نقف امام تقصيرنا، وتفريطنا في دولتنا لعقود من الزمان، لنفوق، ونتذكر آلامنا، ومآسينا من إبادة جماعية، وسرقة، وفساد ونفاق، و إغتصاب، وتشريد، لتكون نوراً ونبراساً، يهدينا إلي سراط دولة الحق، والمواطنة..
إذا دفعنا من حر مالنا " من دم قلبنا" سنكون اكثر قسوة علي الظالمين، واكثر حرصاً علي سلامة دولتنا، ومكاسبنا، و لا يمكن ان نترك منافق، او كاذب، صاحب غرض رخيص ان يتقدم صفوفنا مهما كانت التضحيات، ولا يمكننا ان نصبر عليه لساعة زمن واحدة..
لا نريد ان نكون اليد السفلى، ونمتلك اغنى بلاد الله علي الإطلاق، فقط تنقصنا الثقة في النفس..
نريد ان نكون للعالم الند بالند، في التجارة، والصناعة، وتبادل المنافع، و الخير للبشرية جمعاء، ونحن اهلاً لذلك..
" كل دا عشان نتعلم بحقنا، والبتعلم بحقو ما بدقس" ولا كيف؟
ابت جتتي ان تلامس السرير بعد هذه الرحلة الطويلة، إلا ان افرغ هذه السطور، ثم لنا عودة " لشمار آخر" بعد قسط من الراحة..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
خليل محمد سليمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست