(١) خطاب زعيم المليشيا المجرمة أمس ، والذي جاء بإقراره غير مكتوب ولتوجيه رسائل، يعد محطة مهمة في سياق الصعود إلى التسوية وشراكة الدم عبر التصعيد. وهو بالأساس موجه للمجتمع الدولي صاحب معادلة اضعاف الطرفين لتمرير التسوية والشراكة الجديدة، لتحديد موقع المليشيا المجرمة في هذه التسوية وإعادة تصحيح توازن القوى في إطار توازن الضعف آلمفروض دوليا. فالخطاب انتقل من دائرة الخطابات الموجهة إلى الداخل بمجملها، إلى خطاب تصعيدي يبدو وكأنه صدام مع المجتمع الدولي، ومواجهة مباشرة مع جمهورية مصر وتوجيه اتهامات لها بالمشاركة المباشرة في الحرب دعماً للجيش المختطف، وإتهام للمجتمع الدولي بأنه يريد عودة المؤتمر الوطني ، مع تأكيد أن المليشيا المجرمة قد تم ضربها بقنابل أمريكية، وأنها اشتكت للولايات المتحدة الأمريكية مباشرة ولم تحرك ساكنا برغم وعدها بالتحقق من الأمر. ولفهم ما ورد بالخطاب المهم ، لا بد من قراءته في سياق الانتصارات المحدودة التي حققها الجيش المختطف ، والتي يتم تسويقها إعلاميا بأنها حاسمة وهي ليست كذلك حتماً ، وفي إطار مواكبته لحملة صنع تموضع وفرز يمهد لشراكة دم قادمة مؤسسة على توازن جديد. أولى مؤشراتها بداية الهجوم الإعلامي الشرس للجنجويد على "القحاتة" كما يسمونهم، ودعم الجيش المختطف المتزايد من بعض المثقفين، مع الهجوم الشرس على قوى التغيير الجذري وخصوصا الحزب الشيوعي، والظهور العلني لقادة المؤتمر الوطني، وعودة رئيس احد أجنحتهم المتصارعة وتياره ليس بعيدا من المجتمع الدولي. (٢) في هذا السياق أتى الخطاب لتدويل الصراع علنا ومعاداة دولة بثقل جمهورية مصر، معلوم للكافة بأنها لن تسمح للمليشيا المجرمة بالاقتراب من حدودها وتهديد أمنها القومي، ومعلوم ايضا علاقتها الاقتصادية والأمنية الوطيدة بالجيش المختطف والحركة الإسلامية المختطفة له. ودعمها لهذا الجيش المهزوم بالتدخل المباشر في الحرب عبر مشاركة طيرانها - إن حدث- يعد أمرا منطقيا للحفاظ على مصالحها. وهو يأتي في إطار رفع القوة التفاوضية للجيش المختطف ، في مقابل المليشيا المجرمة المتقدمة عسكرياً ، لتحقيق توازن ضعف يرفع الحرج عن الجيش المختطف ويمكنه من التفاوض للدخول في تسوية، ويقلل من طموح المليشيا المجرمة ويدفعها لتقديم بعض التنازلات. وللمحافظة على اليد العليا في أي تسوية قادمة وشراكة دم جديدة، أعلن قائد المليشيا المجرمة التعبئة العامة وسط قواته، وهدّد بتجنيد مليون مقاتل ، ومنع التصوير وقتل الاسرى واستجوابهم ، كما منع ضرب الذخيرة الاحتفالي ، والقصد من كل ذلك ارسال رسائل للمجتمع الدولي بأنه سيصعد إلى أقصى مدى للحفاظ على توازن ضعف له فيه اليد العليا، وأنه لن يقبل بهزيمة تعيد تشكيل توازن الضعف، وتضخ الدماء في جسد الجيش المختطف ، وتعزز موقف مختطفيه. فعلى عكس من يظن أن زعيم المليشيا المجرمة يحشد لانتصار حاسم ، فهو يحشد ويصعد لتحسين موقعه في التسوية القادمة، وغضبه ناشئ من علمه التام بأنه ممنوع من إنتصار حاسم بإرادة المجتمع الدولي، والدلالة قوله أن الحرب قد تستمر لسنوات. فهو وثيق الصلة بمحور اقليمي متصل بالمشروع الأمريكي في المنطقة، عالم بقرار المجتمع الدولي منع اي من الطرفين المتحاربين من الانتصار، وهو يتلقى دعم دولة الامارات العربية المتحدة - ان صح الاتهام- في هذا الإطار وليس ضد الارادة الأمريكية بالحتم . فدعم مصر للجيش المختطف ، ودعم الامارات العربية المتحدة للمليشيا المجرمة - إن صح- يأتي تحت سقف المشروع الأمريكي أو مشروع المجتمع الدولي، القائم على الحفاظ على توازن الضعف لفرض التسوية ، مع مرونة تسمح بإعادة صياغة مفردات هذا التوازن لدفع التسوية وإنجاحها. (٣) ولتحقيق ذلك وتحت هذا السقف ، يسمح للمليشيا المجرمة وزعيمها بمهاجمة المجتمع الدولي ، وبالهجوم العلني ضد مصر الداعمة للجيش المختطف للحفاظ على توازن الضعف ودفع التسوية، بالرغم من أن الهجوم على الاثنين يبدو وكأنه خروجا على دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشكل جزءا أصيلا من مشروع المجتمع الدولي، وهي ذات علاقة جيدة بمصر وإن كانت ليست بمستويات سابقة. فالهجوم مسموح به لأنه يحقق أهداف المجتمع الدولي ومشروعه، ويحافظ على توازن الضعف الذي يدعمه هذا المجتمع ويسمح لأطرافه المتحالفين بلعب ادوار تبدو متضادة وعلى النقيض من بعضها، لكنها في الجوهر تكاملية وتهدف لتحقيق نفس المشروع. فبالرغم من أن الخطاب قد توسع في التجييش للحرب ، إلا أنه ذكر بالرغبة في السلام، ونفى نفيا قاطعا القيام بإنقلاب مع تأكيده القدرة على ذلك، وأكد أنه في حالة دفاعية وهجومه دفاعا عن النفس، وتنصل من جرائم النهب (الشفشفه)خوفا من المحاسبة وتمهيدا لإنكار اي جرائم قادمة، يقينا بأن هناك سلطة ستأتي ستكون المحاسبة- وإن شكلية- أحد مقومات التسوية التي ستنتجها. وهذا يعني أن المليشيا المجرمة تعلم يقينا أنها لا تستطيع التحول إلى دولة بأمر المجتمع الدولي القابل للتغير بالطبع، وأنها في حاجة لواجهة مدنية تحمي وجودها ومصالحها . (٤) ولمن يرون أن الخطاب مجرد تصعيد للحرب واستدامة لها وقطع الامل في التوصل إلى تسوية، نذكرهم فوق ماورد انفاً وبالإضافة إليه، أن قيادة المليشيا المجرمة وقيادة الجيش المختطف معا يمثلان مصالح فئات للرأسمالية الطفيلية مهما بلغ الصراع بينها مستوى تناحريا ، فهو قابل للتسوية في إطار المساومة ووحدة المصالح والعداء للشعب والخوف منه. ونلفت انتباههم إلى أن زعيم المليشيا المجرمة مصر على تسمية الجناح الذي يعاديه في الحركة الإسلامية المجرمة وذكر قيادته بالاسم، في حين أن الذي عاد إلى بورتسودان هو رئيس المؤتمر الوطني المروج لإعتداله والذي أعلنت المليشيا المسلحة في شرق السودان دعمه عسكريا على اساس قبلي. ونشهدهم ايضا على المثقفين - وبعضهم قيادات في "تقدم"- الذين بدأوا يحدثوننا عن الفصل بين الجيش كمؤسسة والحركة الإسلامية المختطفة له، وعن التركيبة الطبقية للجيش ووجوب عدم التعامل معه ككتلة صماء . والبعض منهم يذهب إلى ضرورة دعم الجيش انحيازا لصغار الضباط والجنود، في تجاهل تام لحقيقة أن أي مؤسسة بحكم النظم واللوائح الحاكمة لها، تحدد طبيعتها قيادتها الممسكة بزمام أمرها والتي تضع توجهها وتحدد مسارها، وهي التي تحدد تقييمها كمؤسسة طبقيا وتحدد موقعها في خارطة الصراع. والجيش القائم على الأوامر والتعليمات خصوصا، طبيعته الطبقية كمؤسسة تحددها قيادته، خصوصا في حالة إنحسار المد الجماهيري. كل ما تقدم يؤكد أن خطاب زعيم المليشيا المجرمة ، يمهد لتصعيد عسكري يعيد صياغة توازن الضعف، ويؤسس لتسوية قادمة تقيم شراكة دم جديدة بدعم دولي ، على شعبنا الاستعداد لإسقاطها تحقيقا لشعارات ثورة ديسمبر المجيدة بطرد الطرفين المتحاربين من المعادلة السياسية. وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! ١١/١٠/٢٠٢٤
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة