بما أننا قد دلفنا عبر أبواب (الواقعية) للحد الذي جعلنا ندفع بالقائد حميدتي رئيساً للآلية الإقتصادية ونقبل بتأجيل تكوين المجلس التشريعي وتعيين وُلاة الولايات إنتظاراً لنتيجة المُحاصصات ، فذات الواقعية يمكنها تبرير ( التغاضي) عن كل ما كنا نعدهُ في وقت سابقِ (مباديء) و( قيَّم) و(أولويات) ، فبعد المحاولة الإرهابية الغاشمة التي إستهدفت السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالأمس ، وجب علينا أن نؤيِّد كل بادرة (واقعية) تُبرِّر (إغفالنا) ولو مؤقتاً لمجموعة من القيِّم (الرومانسية والحالمة) ، وفي مقدِّمتها (لا محدودية) حرية تعبير الفلول عن شغف الوقوف (ضد) إرادة الجماهير وكراهية وإستعداء من تم الدفع بهم ليخرجوا هذه البلاد إلى بر الأمان وأدراك ما الأمان.
وبغض النظر عن ما ستُسفِر عنه التحريات وما سيتم رصدهُ من حقائق ، ندعو المكونَّين العسكري والمدني في الحكومة الإنتقالية إلى (تطهيرٍ شامل) للبلاد من كل ما يمكن أن يُشكِّل شُبهة في إقرار (بِدعة) الإغتيالات السياسية والتفجيرات الإرهابية في بلادنا التي لم تعرف هذا النوع من الأدوات في معالجة سِجالاتها السياسية إلا فيما تم تعريفهُ (حرباَ) واضحة المعالم ومُكتملة الشروط.
لستُ مع الذين (يحصرون) الإتهام في دائرة كتائب النظام الإسلاموي البائد ، لأننا إن فعلنا ذلك سوف نُفسح المجال للمزيد من المؤامرات الأخرى التي صنعتها الإنقاذ (كقنابل موقوتة) مثَّلت خارج أسوار النظام السياسي بؤراً قابلة لإنتاج الإرهاب متى ما سنحت الفرصة ، فالجماعات الدينية المُتطرِّفة التي رعاها النظام البائد بإتجاهاتها المُختلفة مقابل دعمها لمشروعه السياسي الغاشم ، وما حواهُ خطابها الديني و الدعوي في المساجد والمنابر المشبوهة والساحات العامة والمُستمر إلى يومنا هذا ، لم يكن سوى (نداءاً جهوراً) يدعو إلى تكفير الحكومة الإنتقالية وشخوصها ومن أيَّدها ، وهم في هذا المعني لا يفعلون شيئاً سوى تسليمهُم (مُبرِّرات) الإرهاب والإغتيال والتفجير والتخريب في طبقٍِ من ذهب لكل مهووس ومُتطرِّف و(مُغيَّب عقلياً) بإسم الإسلام أو حتى بإسم أي مذهبٍ آخر ولو كان مناوئاً للدين نفسهُ .
لا مجال بعد الآن لإعمال (الفقه الرومانسي) في معالجة القضايا السياسية المصيرية التي يقف فيها الشعب (خصماً) مع أعدائه ، فلا القيِّم الديموقراطية التي قدَّسناها إحتراماً وإنصافاً للآخر ، ولا فضيلة التسامُح التي ينادي بها الآن من نحروا البلاد والعباد بالأمس القريب ، ستنفعنا إذا إنفلت الحبلُ عن القارب ، أما وقد جهِل هؤلاء أن ثورة ديسمبر المجيدة هي من ملكت قلوب هذه الجماهير التي إختارت لمستقبلها الحرية والكرامة ولا شيء سواهما ، حين إعتقدوا أن إغتيال حمدوك أو غيره من رموز الثورة سيشِل يد الجماهير ، ندعوهم لقراءة الواقع خارج إطار (غيبوبتهم) المُضلِّلة فربما تيقَّنوا أن حمدوك أو غيره لو ذهبوا ، سيولدُ من رحم هذه الأمة ألف حمدوك آخر يمثِّلون الملايين التي رمت عن كاهلها دِثار الذُل والهوان والإستسلام.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة