سبحان ربي مغيِّر الأحوال و الأزمان ، إلتقيت مع مجموعة من الأنداد في مناسبة أسرية سعيدة ، وكعادة الأربعينيين ومن تجاوز ذلك ، إندمجنا في (ونستنا) المفضلة والمتعلقة بالبكاء على ما فات من زمان والإدلاء بذكريات أيام ماضية دوماً نعتبرها الأبرك والأفضل ، مُقرنين ذلك بندب زماننا المعاصر هذا بكل أنواع الذم والقدح ، ولا أدري هل في ذلك منحى نفسي أو سيكولوجي يدفع بالإنسان بالمطلق للإنحياز إلى زمانه وعصره وثقافته التي بدأت تزول و حاصرتها البدائل المستحدثه ، أم أن الأمر مجرد حنين إلى الماضي ولو مُليء ماعونه بخضمٍ من السلبيات والمُنغصات والآلام ، ولكن هذا كان حالنا يومها ، و في ذات السياق ذكرتُ لأهل جلستي تلك كيف أن الزمن الآن قد فقد بركته و أصبح (ممحوقاً) ، لا يكفي من يعيشه لأداء الأولويات ولا الثانويات ، ومحوَّر كل ذلك اللهث خلف لقمة العيش التي طالما أصبحت صعبة المنال للسواد الأعظم من أبناء شعبنا الصامد الصبور ، ورغم أن مستوى طموحات و تطلعات الشريحة الغالبه للشعب السوداني أصبحت بسيطةً بساطة ما يجب أن يكون عليه أدنى حال في هذه الدنيا الزائله ، إلا أن تلك القناعة أصبحت في عداد المستحيلات ، فالعمل والدواء والتعليم أولويات توفرها دول كثيرة بإعتبارها حداً أدنى لمطلب الرفاهية الشعبية ، وهي لا تحتاج من الفرد غير الصحو صباحا والعمل لمدة ثمان ساعات (كما أقرت بذلك معظم قوانين العمل الدولية) ، أما من أراد أن يرفع من مستواه المعيشي و تطلع إلى الكماليات كالعلاج في الخارج أو السياحة أو غير ذلك ، كان علية أن يبذل المزيد من الجهد والمثابرة في سبيل ذلك عبر المزيد من ساعات العمل ، وذكرتُ لندمائي كيف لا ننتبه ونحن في زحمة الحياة ومتطلباتها التي لا تنتهي ولا تستقر على حال أن (وقتاً ما كان في الزمان السابق يُسمى العصر قد راح و ضاع و إندثر) ، (فالعصُر) كان تعبيراً زمنياً مهماً ومتعارفاً عليه في حياتنا اليوميه وهو وقت رسمي تُبنى عليه المواعيد وينتظره الناس لإرتباطه بأشياء كثيرة أهمها الزيارات الإجتماعية وخطبة البنات ، وتناول (طعام المرطبات) ، في عقودات النكاح ، فقد كان الموظَّفون في السابق يخرجون من ديوان العمل في الثانية ظهراً وغالباً ما يصلون بيوتهم في الثانية والنصف ، حينها يتناولون وجبة الغداء ، ثم يخلدون للنوم ، وبعد كل ذلك يستيقظون (العصريه) ، ليذهبوا للمجاملات الإجتماعية أفراحاً كانت أم أتراحاً ، ثم يعودون لشرب شاي المغرب في ############ات دورهم ، وكذلك كان يفعل أصحاب الأعمال الحرة من مهنيين وتجار ولكن بفارق نصف ساعة أو أكثر بقليل عن الموظفين ، أين العصرية يا أهل الله ، هل بلعتها هوجة الحياة وصخبها الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم ؟ ، فمعظمنا اليوم يصل بيته قبيل المغرب بقليل ، ثم لا يلبث أن يتناول غداءه حتى يتحوّل إلى جسدهُ إلى جُثةٍ هامده لا يمكن أن تحمل أفكاره وآماله المتعلقة بمشاريع أخرى غير النوم العميق ، يا هؤلاء .. يا من تعرفون أنفسكم جيداً أعيدوا إلينا (ساعة العصريه) ، ربما عدنا إلى الزمن الجميل.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة