ثم ماذا بعد، تجمع ابناء الشعب من كل الوان الطيف في شارع الجامعة واسقطوا الدكتاتورية الاولي وصيرتم الشهيد منكم ليخلد نضالاتكم.
ولكن هل كان ما بعد الثورة لصالح الشعب أم تمدد التصارع بينكم بشكل متصاعد في التعادي والتمادي في اقصاء الاخر وبل أشد من ذلك الاشتباك بينكم بكل اشكال العنف.
ألم يكن استشهاد القرشي كفيلا بإن تضعوا في ما بينكم ما يعرف بي Code of Ethics "مدونة لقواعد السلوك" تكون نواة دستور للبلاد لإدارة الاختلاف في الرأي.
ولكن بدلا من ذلك، تعصب كل العاهات لما جاؤوا به من اوساطهم وبيئاتهم وحواضنهم وصارت (الجامعة) ساحة للصراع الفكري والقبلي المتخلف الاستبدادي الاقصائي.
وصار الهدف الاخبث رويدا رويدا هو استغلال المتاح للوصول إلى السلطة بكل السبل لا لغاية نبيلة، وانما نصرة لتنظيم بعينه او استغلال وسائل أخرى كالدين والطائفية والتحرر والافكار الاشتراكية، لإمتطاء الجيش بإحداها للتفرد بالحكم، ولم يتقن أحد الاستفادة من ما توفر له داخل الجامعة من تنوع في المشارب والخلفيات ليبني عليها ما يعني الشعب، وما ينتظره منهم المجتمع الذي خدع بخدعة تميزهم. وانه اصحاب فكر وهلم جرا، وان خريجها يجب أن يفسح له المجال ليرتقي.
قبل أن استرسل في كتابة هذه الجزئية اطلعت على بعض التعليقات، وهي على قلتها تستحق أن اتفاعل معها.
ظن البعض أن الهدف هو تفكليك كلية غردون لصالح قباب الجهل وصوامع التجهيل العالي التي سادت في السنوات العجاف الماضية. وللتوضيح، الأمر ليس كذلك، فالقصد من تفكيك كلية غردون هو كونها رمزية للفكر السوداني المعاصر الذي اضر أكثر من ان ينفع المجتمع والشعب والوطن.
ففي الجزء الاول من المقال تناولت جوانب من اشكالات الشخصية المكونة للمؤسسة والتي لم تختلف عن المؤسسة المنافسة لها إلا وهي الجيش، فقد تشابها شبها عظيما في انهما فقدا قيمتهما لاتباعهم نفس النهج المنحرف.
فتجد أن جرثومة استغلال المكاسب بالوصول للجامعة وخصوصا طبعا كلية غردون أو الانخراط في الجيش أصبحت الطريق للوصول إلى السلطة فقط ولإهداف شخصية بحته.
فكل من يلتحق بالكلية الحربية يكون واضعا نصب عينيه كرسي القصر الجمهوري وليس هدفه أن يستشهد فداء للوطن. ولم يختلف عن ذلك عاهات كلية غردون وإن بدرجة أقل، فربما يتفاوت جشعهم قليلا، فجلهم ربما يسعى لمريسة ايا كانت وياقة بيضاء.
لا اذكر آني رأيت يوما مهندسا وهو يحمل مفكا او منشارا أو يرتدي ابرولا عليه بقع من الزيت، ولكن أعرف أن برنامج الماجستير في إدارة الأعمال كان طلبه الهندسة يمثلون فيه النسبة الأكبر ربما تقارب ال 90٪.
ولم أرى من يحمل الطورية ليفلح بستانا، و.... إلخ
هذه اختلالات يجب النظر بعمق والتوقف عندها وتفكيكها واعادة صياغتها لتحقق اهدافها التي من اجلها شيدت.
حسنا
لنعود إلي تأثير كل ذلك على واقعنا اليوم وما قاد دولتنا للتفكك.
ولننظر كيف تسرب الضلال والارهاب والتطرف والطائفية والجهوية والقبلية إلى كلية غردون التذكارية بل والتعالي العرقي والجهوي والانصرافية ابتدأ من التعالي الفصلي بين السينير والبرلوم، واولاد المصارين البيضاء والروس.
هكذا هو حال هؤلاء العاهات، وإن كانت يتم تداولها بينهم بشيء من اشكال الظرافة البغيضة، ولكنها انعكاس لما فصلته في المقال السابق من اختلالات هذه الشخصيات.
اذكر أن اساتاذاتي الفاضلات واساتذتي كانوا حين التحقنا بمقاعد الجامعة أول ما يقولن لنا اننا الآن علينا أن نضع جابنا كل ما تعلمنا بأنه صحيح وأن نصغى من جديد لنتعلم ما هو صحيح.
هل فعلوا؟
ابدا، جاءا كل منهم بما يحمله ليحمل الاخرين بالاقنتاع به وحده فهو وحده يملك الحق في أن يتبع ويصغى إليه وان كان ما يحمله من موروث لا يختلف كثيرا عن ما حمله اجداده الاولين أن لم يكن ابعد من ذلك.
الاختلاف سنة الله في خلقه، ولذلك خلقهم، ألم يقرؤا هذه الاية.
إذا لماذا التصارع على أن تحمل الاخرين أن يكونوا مثلك وتتبع في ذلك كل اسباب تهميش وتقليل شأن الآخرين والاستخفاف بمتطلباتهم ورؤيتهم للحياة.
وتحتكر انت وحدك الحق كل الحق في أن تفرض رؤيتك وفكرك على الاخرين بالحيلة والتزوير والتدليس والاقصاء.
لماذا لا تتجرد كما امرك اساتذتك وتجالس الاخرين بأخلاق الكرام لتتناول معهم شأن الاخرين الذين يمثلونهم.
هذا هو مربط الفرس.
هناك تهميش مصدرة منظومة الفكر المتمثلة في هذه الجامعة الرمز التي طوال تاريخها لم تستطيع ان تصيغ انموذجا صالحا لإدارة التنوع...
ولا دستور يحكم حتى تداولهم لإبسط هيئة "اتحاد الطلاب" وفيه ما فيه من الذي يحتاج مقالا اخر، ولكنه صورة مجسمة لما طفى للمجتمع.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة