ولو تعدَّدت الرؤى الفكرية والسياسية والإجتماعية ، يبقى القاسم المشترك الأعظم لأهل هذه البلاد هو القيم الأخلاقية الناتجه عن موروثات إجتماعية صنعتها تجارب التلاحم الإجتماعي منذ قديم الزمان ولأسباب شتَّى يأتي من ضمنها الدين والتجاور واللغة والعُرف ، وبذلك مهما تماهى السودانيون في إعتناق أفكار سياسية أو فلسفيه مغايره يظلَّون على الدوام غير قادرين على الخروج من دائرة العرف والتقاليد والموروث الإجتماعي ، أقول هذا وقد غزت الثقافات الأجنبيه المناوئة لتراثنا العتيق عبر منافذ عدة أهمها الفضائيات التلفزيونية التي أصبحت في أعدادها بالمئات بل الآلاف ، وهي تبُث إنتاجها على مدار الأربع وعشرين ساعه بلا توقف ولا كلل ولا ملل ، وتلك في حقيقة الأمر تكلفة مهولة تضعها الدول ذات الإمكانيات في سبيل دعم برنامج تأثير ثقافي عام يهدف إلى تمهيد الطريق في بلدان عدة لتكوين قواعد شعبية أو إجتماعية تقف إلى جانب مصالحها الإقتصادية أو الإستراتيجية ، و نحن في هذا المجال أبعد ما نكون عن معرفة وفهم مراميه الحقيقية ، إنطلاقاً من إنشغال مسئولينا و سياسيونا بتدبير أمر الضرويات وحلحلة الكروب المتوالية التي أصبحت سمة من سمات دول العالم الثالث ، فكل حديث يخرج عن نطاق توفير القمح و الغاز والوقود و غيرها من مواطن الأزمات التي تعانيها الدول الأكثر فقراً في العالم يعتبر هباءاً و سقط متاع ، على أن تأثير الغزو الثقافي الأجنبي الذي تم تأييده أيضاً بواسطة الشبكة العنكبوتية و مواقع التواصل الإجتماعي الإلكتروني ، قد بدت واضحة في ############ات شوارع السودان وبيوته وأمكنته العامه ، في الخرطوم وسائر الولايات وكذلك في الريف والقرى والصحاري ، فإنتشار الطاقة و سعة شبكة الإتصال لم تعد كما كانت قاصرة ، فهي تمد الريف و الحضر ، و إن تمعنا في الشارع السوداني و خصوصاً في أوساط الشباب الذين نشأوا تقريباً بلا إتصال وثيق بماضِ و تاريخ ثقافي واضح المعالم و خالٍ من المجّملات الأجنبية و الذين لم يشهدوا حقباً في تاريخنا كانت فيه سبل المعرفة و الثقافة محدودة لا تتعدى الكتب والصحف ومقاعد الدراسة و الإذاعة والتلفزيون محدودي البث والتوقيت ، ثم بعضاً من موروثات إجتماعية هي عبارة عن معلومات عامة كان يستقيها الفرد من بيوت المناسبات والإحتفالات والخُطب السياسية والدينيه ، أمثال هؤلاء من الشباب هم أرض خواء و خصبة لزرع قيِّم جديدة مُغايرة لثقافتنا وموروثاتنا وأعرافنا ، حيث يمكن إستخدامهم في أيي زمان ومكان لوأد تطلعات الوطن ومحاربة نماءه من الداخل وبواسطة سواعده الفتيه ، البنات والأولاد أصبحوا يهيمون في شوارعنا بلبس غريب وتقليعات لتصفيف الشعر عجيبه ومُلفته ، قوامها التفسيري ضياع فكري ووجداني عميق وشعور بعدم الإنتماء ناتج عن عدم وجودنا في حياتهم الحقيقية ، فإستعاضوا عنا بحياة إفتراضية يعيشونها عبر الإنترنت بالموبايل والحاسوب وغيره من الوسائل ، آن الأوان لوزارتي الثقافة والتربية والتعليم أن تضعا برنامجاً يؤسس على الجدية والإيمان بالفكره ، يهدف إلى ربط الشباب والتلاميذ بتاريخهم وتُراثهم عبر أدوات أهمها الشعور بالإنتماء لهذا الوطن وتاريخه المجيد.
<حرب الثقافات.docx> <هيثم الفضل - Copy.jpg>
عناوين المقالات بسودانيز اون لاين الان اليوم السبت الموافق 20/9/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة