+ الذكرى ال 123 لمعركة كرري . في يوم الخميس 2 سبتمبر 2021 ، مرت الذكرى ال 123 لمعركة كرري التي وقعت في صبيحة يوم الجمعة ٢ سبتمبر ١٨٩٨. ازعم إن معركة كرري تفور بالمتناقضات المتدابرة رأسياً ، ومنها الإيجابي وأغلبها سلبي ، ربما لاننا خسرناها خسارة مدنكلة . كما أزعم ان فترة ال 123 سنة المنصرمة كافية لكي نقيم هذه المعركة تقييماً موضوعياً خال من الغرض والاهواء . كنت ولا زلت أعتبر معركة كرري اكبر عملية انتحار جماعي في التاريخ الانساني ؛ واكبر عملية إعدام جماعي في التاريخ الإنساني ، واغبى تصرف من قائد عسكري وسياسي في التاريخ الانساني . معركة كرري تجعلنا نطأطي رؤوسنا كلما تذكرناها . وفي نفس الوقت نرفع رؤوسنا عالياً للشجاعة والاقدام على مجابهة الموت دون وجل من اجدادنا العظام ... الخصال التي شهد بها الاعداء ورفعوا المحارب الانصاري مكاناً علياً ، ومنهم ونستون تشرشل في كتابه حرب النهر ، الذي قال في المحاربين الانصار ما لم يقله المتنبي في سيف الدولة من مدح وإشادة وإعجاب وصل حد التآله . لم تُحدث كرري عن رجال كالأسود الضارية شتتوا كتل الغزاة الباغية . في كرري لان فرسان لنا وفروا ، لان قائدهم رمى بهم في معركة غير متكافئة ... السيف ضد البارود . لم يفر جمع الطاغية كتشنر ، بل امر كتشنر بإعدام 20 الف جريح من محاربي جيش الخليفة عبدالله في بربرية وروح إنتقامية عمياء تتدابر مع كل القيم والمعاني الانسانية . إنتقد البرلمان البريطاني وقتها وحشية كتشنر الذئبية ، ولقبه ب : " جزار امدرمان " . استمرت المعركة لاقل من ساعتين من الساعة 6 صباحا الى الساعة 8 صباحا ، حصدت مدافع كتشنر الاتوماتيكية الحديثة ورشاشاته سريعة الطلقات ، المرابطة ، خلف جدر ، فوق البوارج الحربية على النيل جموع قوات الخليفة عبدالله التعايشي المهاجمة بالاسلحة البيضاء في الغالب ، والبنادق الصدئة ، فقتلت اكثر من 18 الف وجرحت اكثر من 30 الف وفر الباقون حوالي 12 الف مقاتل طلبا للنجاة ومنهم الخليفة عبدالله . شارك المراسل الحربي البريطاني George Warrington Steevens (1869 – 1900)
في معركة كرري ، وكتب وقتها واصفا ما شاهده بنفسه في ارض المعركة : كان هناك خياران أمام الجيش المهدوي .. النصر او الجنة : " It was victory or paradise" لقد كان هذا اليوم اخر ايام المهدية ولكنه كان بحق ... أعظمها علي الإطلاق .. لم يتراجع العدو قط .. لم تكن كرري معركة .. بل كانت حادثة إعدام لابطال ! ان جاز لي ان أقول ان قواتنا قد بلغت الكمال .. فلابد لي ان اعترف بان المهدويون بروعتهم.. قد فاقوا حد الكمال. ... وكمثال لهذه الشجاعة الأسطورية فقد شاهدت بنفسي طفلا من أطفالهم كان في العاشرة من عمره تقريبا .. رأيته يقف باكيا عند جثة ابيه القتيل في ميدان المعركة .. فلما اقتربنا منه تناول بندقية ملقاة علي الارض وأطلق النار نحونا .. لقد عمل الطفل الشجاع كل ما كان بوسعه عمله . انتهت شهادة المراسل الحربي البريطاني : "G.W.Steveens " اما المراسل الحربي الفرنسي للصحيفة الفرنسية : Le Temps فقد كتب واصفا ما شاهده بنفسه في ارض المعركة : ... ان المرء منا لا يملك الا ان يحيّ بسالة هؤلاء الجنود المهدويون .. لأنهم بلاشك لا يقلون بسالةً واقداماً عن نظرائهم الذين كانوا تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي . ولاشك ان ريتشارد قلب الأسد لم يكن اشجع رجاله يفوق مستوي هؤلاء الرجال وخصوصا عند الالتحام يداً بيد .. انتهت شهادة المراسل الحربي الفرنسي . يلخص لنا المؤرخ الامريكي : J.A.Rogers تقييمه لما حدث في كرري ، وتعليقه الشخصي علي إفادات المراسلين الحربيين فيقول : ... ستظل المهدية اعظم مثال .. للبطولة والتفاني .. يمكن ان يوفره لنا التاريخ الإنساني . + مسؤولية القائد ؟ نزعم ان الخليفة عبدالله لم يستفد من دروس وعبر المعارك التي قادها الامام الاكبر المهدي عليه السلام ، خصوصاً معركة شيكان التي استمرت لحوالي ربع ساعة زمان ، افنى فيها جيش الامام الاكبر عليه السلام جيش هكس بمدافعه الاتوماتيكية ورشاشاته سريعة الطلقات ؟ عقد الخليفة عبدالله مجلس حرب ، الذي اشار اليه بالهجوم صباحاً ، ومواجهة العدو وجهاً لوجه . ولكن لا يمكن ان نلوم مجلس الحرب ، لان القرار النهائي عند الخليفة عبدالله ، والترتار يقف امام باب داره . مسؤولية القائد تجعلنا نعلق مسؤولية الهزيمة على عنق الخليفة عبدالله . لم يقبل الخليفة عبدالله نصيحة بعض قواده بان الحرب خدعة ، ويجب منازلة جيش كتشنر ليلا وليس صباحا ، ولا يجب مواجهة جيش كتشنر وعنده المدافع الفتاكة والرشاشات سريعة الطلقات . اقترح البعض سياسة الكر والفر في مجموعات صغيرة تحاول تغطيس بوارج كتشنر الحربية وتصفير رشاشاته ونيران مدافعه .ولكن لم ياخذ الخليفة عبدالله بمشورتهم . وبالطبع لا نجزم بان النتيجة كانت سوف تتغير لو اتبع الخليفة عبدالله توصية هؤلاء القادة . في هذا السياق قال مفكر سوداني من الناس الفاهمة : لم تنجح زعامة أفريقية في مغالبة القوى الأوربية الغازية ، حاربت نهاراً أم ليلاً ، سوى منليك مع الإيطاليين الضعاف قياساً. نقول : ولكن الامام الاكبر عليه السلام انتصر في كل المعارك التي خاضها ضد القوى الاوروبية الغازية .
+ متناقضات معركة كرري ؟ نعم ... كانت معركة كرري : + اكبر عملية إنتحار جماعي في التاريخ الانساني . + اكبر عملية قتل جماعي في التاريخ الانساني . + ولكن فاقت شجاعة واقدام وبسالة محاربي جيش الخليفة عبدالله حد الكمال كما إعترف ونستون تشرشل في كتابه حرب النهر ، وهو يصف المحاربين الأنصار . قال : ... أشجع من مشي علي وجه الأرض. وصلنا لدرجة الكمال للجيش ولكنهم فاقوا حد الكمال . + في كل الاحوال ، تظل الثورة المهدية اعظم مثال .. للبطولة والتفاني والوحدة الوطنية .. يمكن ان يوفره لنا التاريخ الإنساني . + من دروس وعبر معركة كرري ؟ من دروس وعبر معركة كرري وكذلك معركة شيكان في نوفمبر 1882، يمكن ان نشير مثالاً وتدليلاً وليس حصراً إلى ثلاثة دروس في اي معركة حربية : + الدرس الاول : نوعية السلاح مهمة . إنتصرت اسرائيل على العرب لان سلاحها متفوق نوعياً على جميع اسلحة العرب مجتمعة . في كرري تفوق البارود على السيف . + الدرس الثاني : ايمان الجندي البيادة بقضيته . انتصرت قوات طالبان وعددها اقل من 80 الف وسلاحها بدائي على قوات اشرف عبدالغني وعددها اكثر من 300 الف ومسلحة باحدث الاسلحة الامريكية لان جندي قوات اشرف عبدالغني لا قضية له بل يرى فساد قادته راي العين، بينما يؤمن جندي قوات طالبان بقضيته ومن ثم تفانيه في القتال . كان المحارب الانصاري في كرري يؤمن ايماناً مُطلقاً بقضيته ، ولكن كما قال تشرشل : ... لم نهزمهم ولكن الآلة الحربية حصدتهم. الدرس الثالث : عبقرية القائد . الاهم الاهم الاهم في كسب اي معركة حربية بل اي معركة اخرى هي عبقرية القائد كما برهن الامام الاكبر عليه السلام في معركة شيكان في نوفمبر 1882 ، وكما برهن خالد بن الوليد في غزوة أحد وفي المعارك التي خاضها بعد اسلامه ، وكما برهن الخليفة عبدالله سلباً في معركة كرري .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
ثروت قاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست