( ١) الذي ننجوا منه كل يوم .. يومياً .! كتبتُ في مرّة متسائلاً عن جدوي الحياة إذا كان الموت هو ما ينتظرنا علي الباب ، كتبت ذلك بأصابع دامية بسبب إختطاف الموت المفاجئ لأحد اصدقائي الاعزاء ، ولم تنتشلني من هذه الهوّة السوداء سوي عبارة ارسلها لي أستاذي الذي يعيش في بلدة باردة علي الطرف الغربي من جبال جرامبيان البعيدة " عِش حياتك و لا تجعل الموت شغلك الشاغل ، أنا الآن أخطو نحو التسعين و السرطان هو صديقي اللدود الذي أنجو منه كلُ يوم يومياً .. و رغم ذلك أكاد لا أتذكر الموت إلا لماماً و أشغل وقتي بالأهتمام بتربية الزهور لأنني أعرف أن الموت و الحياة من أمر الله ، و الله يعرف جيداً كيف يعتني بهذا الأمر ..”
(٢) عمر ( الغتيت ) كنا نسميه عمر (الغتيت) و الغتاتة تعبير سوداني عجيب من فصيلة ( الحلو مر ) ، فهو يجمع بين الإستنكار و الإعجاب في آٍن واحد بالمقدرة الغريبة علي إخفاء المشاعر والأسرار و الانتقام بصورة باردة و لكنها مدوية ، و قد وجدت ان التراث النفسي و اللُغوي الانجليزي يحتوي تعبيرا بدا لي مشابها لمصطلح ( الغتاتة ) السوداني و هو مصطلح ال : Passive aggression المهم أن أبرز ما كان يميز عمر هو (الغتاتة) و سخطه علي ( الفنانين ) الشباب و الاغاني الهابطة ، الذين أتاحت له الحياة في سانحة من سوانح كرمها النادر أن يُشنِّع بأحدهم شر تشنيع ، و قد جرت القصة في القاهرة عندما وجد عمر الفنان الشاب (ش ، ع ) يرغي و يزبد مستنكراً علي موظف استقبال البناية التي ينزل فيها منعه من الدخول بدون ابراز بطاقة الشقة او هويته الشخصية التي نسي حملها ، وكان سبب الغضب ان ( الفنان ) لا يتصور ان موظف الاستقبال لم يسمع باسم الفنان الشهير ، و لك ان تتخيل فرحة ( الفنان ) بدخول سوداني الي الاستقبال ليثبت صحة إدعاء الشهرة ..! ، كان كل ذلك جيداً سوي أن القادم لم يكن سوي ( عمر الغتيت )..! لاحقاً أخبرني عمر عن امتقاع وجه الفنان بكل الالوان عندما هز عمر راسه نافياً ( بغتاتة ) مجيباً علي سؤال موظف الإستقبال : " تعرف الفنان ده يا سعادة الباشا ؟" كان عمر يعرف الفنان كما يعرف أبناءه ، و لكن ألم أقل أنها كانت سانحة من سوانح كرم الحياة النادرة ...!
د. محمد حسن فرج الله إستشاري الطب النفسي مستشفي الامل للطب النفسي – دبي قسم خدمات علاج الادمان بروفيسور الطب النفسي المساعد جامعة محمد بن راشد للطب و العلوم الصحية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة