فيديو إلتقطه أحدهم من أمام أحد الأفران ، لا أستطيع أن أحدد عدد الذين يقفون أمام الفرن في انتظار رغيف الخبز ، فقد كان كبيرا جدا . نساء جالسات على الأرض وأطفال يقفزون هنا وهناك ، ورجال شباب وشيوخ ، كلهم في انتظار الخبز من المخبز الذي تفصله عنهم مساحة واسعة هي ميدان معسكرهم . منظر قبيح ، انتشر عبر اليوتيوب وعم الدنيا كلها ، يعكس حالة من الانتكاسة لم تمر على الإنسان السوداني في تاريخه المنظور . هذا حال الخرطوم فما هو الحال في بقية البلد . في كل يوم تطل فيه الشمس على السودان نرى العجب ، شبه انعدام للخبز وغاز الطهي والبترول ، وحكامنا الذين ما اختارهم هذا الشعب يحتفلون في جوبا بالسلام . وفي الشرق يموت ضابط شرطة في تفلت يقوده المتمرد المدلل ترك ، ويجاهر أنصاره بالانفصال علنا ، في تحد واضح للحكومة ويغلقون الطرق ويهددون بإيقاف الداخل والخارج من الميناء . في الولاية الشمالية تمرد جديد ، يستهدف ما بيدهم من مناطق حيوية كسد مروي ومعبر أرقين . الآن لم يعد الكلام عن عجز الحكومة عن توفير معاش الناس ، وتجاوز الزمن للنصح ومحاولة استنهاض همة الدولة العاجزة . الآن الخطر أكبر من قطعة الخبز واسطوانة الغاز ولتر البنزين ، المسألة دخلت اللحم الحى لتضرب في العصب وتصل للعظم . عندما كنا ننصح الحكومة للالتفات لمعاش الناس ، كان بعض من لهم نظر أعمق منا ، يتحدثون عن الخطر الأكبر من ذلك بكثير . كانوا يتحدثون عن خطر هذه الحكومة على وحدة البلد ، ويحذرون من الآتي من المخاطر التي ربما تعصف بالبلاد . وكنا نزجرهم ونصفهم بالمتشائمين ، وبالسوداويين ، وأنهم يذهبون في سوء ظنهم بالحكومة أبعد مما ينبغي . ولكن تثبت الأيام أننا كنا على نياتنا ، وأنهم كانوا على حق . بينما يشتعل الشرق ، وتتبعه الشمالية وتختنق الخرطوم وأصلا دارفور في غليان يحتفل الزعماء الجدد في جوبا بالسلام . تماما مثل الذي يرقص في أحدى حجراته احتفالا بالقضاء على نار فيها بينما يشتعل بقية بيته وهو غافل . ليست الثورة في خطر كما كان يردد الحادبون عليها ولكن البلد في خطر داهم . علينا أن نكف عن ترديد أن الحكومة فاشلة لأنه لا توجد حكومة أصلا لنصفها بالفشل . لقد صدقنا الوهم الذي اسموه حكومة انتقالية ، بل أكثر من هذا خدعونا بأنها حكومة كفاءات ، والحقيقة أنه لا وجود للحكومة ولا للوزراء وإلا فكيف نفسر غياب الخدمات الأساسية للمواطن . وكيف تسير الحكومة أعمالها وهي ناقصة العدد في وزارات حيوية كوزارة الصحة والخارجية تظل كل هذه المدة بلا وزراء ؟ فاما انه لا عمل لهؤلاء الوزراء ووجودهم كعدمهم ، أو أنه لا عمل اصلا في هذه الوزارات ، وهي مجرد ديكورات فقط . واظن أن الافتراضين صحيح ، فلا عمل للوزراء حقيقة ، فهم يجهلون أبسط الأمور في وزارتهم ، وأكاد أجزم بأن وزيرا مثل مدني عباس مدني لا يعرف نصف ما يعرفه فراش مكتبه عن الوزارة . ومثله فيصل وزير الإعلام الذي هو ناطق رسمي للوهم المسمي حكومة بدرجة وزير . كما لا يوجد أصلا في هذه الوزارات عمل يقدم للمواطن ، فالدولة غائبة من أيام الكيزان اللئام ، والوزراء خرجوا ولم يعودوا من أيام المحجوب ولم يعودوا إلى اليوم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة