في زاوية هادئة من مقهى تكة، كان ركنه المفضل ينتظر عودته. رغم أن أنفاسه كانت لا تزال تعبق المكان، إلا أن حضوره الفعلي كان غائباً. كانت هي تراقب ركنه في المقهى، وتتابع صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت نافذتها إلى عالمه البعيد عن ضجيج المقهى. لم تتخل عن واقعها، فكانت تزور المقهى يومياً، تحدق في ركنه الخالي، وتتخيل حضوره. كانت تراه بعين خيالها، تارةً بين خيوط دخان الأراجيل، يشع كنجمة مضيئة، وتارةً منكباً على أوراقه، يخط كلماتٍ كانت تسقط على قلبها مباشرةً. كان يكتب بقلمه على دفترٍ متسخ، تماماً كدفتر الجرورة، ولم يكن يتقن استخدام التكنولوجيا الحديثة. كانت كلماته تأسرها، فقد كان مستغرقاً في قصص الشارع، يكتب عن حامل المباخر الذي يطوف على المحلات كل صباح، يحمل بخوره المشتعل على أعواد السلم، بينما يتجنب الاقتراب من حملة المباخر في الدوائر الحكومية، معتبراً أن ذلك "أمن قومي" يرسم ملامح تشكيل الوزارة! كانت هي، بين غيابه وحضور خيالها، تقف على أعرافٍ غير واضحة. كانت تركض بين صفحته على الإنترنت ومقهى تكة، تحمل وليدها الذي لم يأتِ بعد، وتبحث عن قطرة حبر على دفتر الجرورة. كانت تصعد وتهبط، في سعيٍ دؤوب. ذات يوم، قررت أن تترك له كل يوم قصة قصيرة على طاولته في مقهى تكة. ظلت تكتب له ألف ليلة وليلة، حكايات عن العشق المكتوم، عن دوران الأفلاك ومواضع النجوم. لكنه لم يعد إلى ركنه، الذي صار كأوراق الأشجار المتساقطة في ربيع الحب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة