إن ملامح بني إسرائيل، وصفاتهم، وما يعتلج في صدورهم، وما تضمره قلوبهم، من حقد وحسد وضغينة.. تتراءى من أيام أبيهم إسرائيل عليه السلام!!! حينما تآمروا، وخططوا، وبيتوا تحت جنح الظلام، مكيدةً خبيثةً شيطانيةً، شريرةً، لقتل أخيهم الصغير يوسف عليه السلام، والتخلص منه!!! بذريعة واهية، وحجة ضعيفة، أن أباهم كان يحبه، ويهتم به أكثر منهم، ويؤثره عليهم!!!
منذ تلك اللحظة، تتجلى سجاياهم التي تحمل كل صفات الإجرام، والقتل، والكيد، والتآمر، والتي انتقلت بعد ذلك، عبر الأجيال، إلى أبنائهم وذريتهم، وخلفهم. فتضخمت، وتجذرت في أعماقهم، وترسخت أكثر وأكثر، وتشبثت وتوطدت في سلالة بني إسرائيل!!!
وبالرغم من كونهم، أبناء يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، أبي الأنبياء عليهم جميعاً السلام!!! ومن سلالةٍ طيبةٍ، زكيةٍ، طاهرةٍ، إلا أن الأبناء، لم يكونوا على ذلك المستوى الراقي، السامق، الرفيع، الذي كان عليه أبوهم وجدهم، وجد أبيهم!!!
تزيين الشيطان لهم، لقتل يوسف
إلا أن الشيطان الخبيث اللعين، قد تغلغل إلى نفوسهم الضعيفة، المهترئة، المهتزة، فزين لهم قتل أخيهم البريء الصغير، المحبوب عند أبيهم الهرم العجوز، فكادوا له كيداً، تكاد الجبال تتزلزل منه!!! وخانوا، وكذبوا على أبيهم، حينما زعموا أن الذئب، هو الذي أكل أخاهم يوسف!!! وغدروا بأبيهم وأخيهم في نفس الوقت، ولم يرعوا حرمتهما، ولم يرحموا شيبة أبيهم، كما لم يعطفوا على طفولة أخيهم الصغير، البريء، الوادع، المسالم يوسف عليه السلام!!!
فطعنوا بذلك الاثنين بخنجر مسموم، دون خوف من الله تعالى، ولا خشية من عقابه، ولا مبالاة، ولا اهتمام بأنه سبحانه وتعالى، يراهم، ويعلم سرهم ونجواهم!!!
ثم بعد ذلك.. ظهرت حرب يهود على دين الله، وعلى أنبيائه، بشكل سافر، وفاضح، حينما أرسل الله موسى عليه السلام، إلى فرعون مصر، ليدعوه إلى عبادة الله وحده، وليستخلص منه بني إسرائيل، ويحررهم من العبودية له!!!
وتحمل موسى عليه السلام، الأذى، والعنت، والشدة، لأجل إخراجهم من العبودية لفرعون، إلى عبودية الله سبحانه، الواحد الأحد.. فكانت مكافأتهم لجميله وإحسانه هي:
معصيته والنكال عن أوامره، والإساءة إليه، والزوغان عن عبادة الله الواحد الأحد، والإقبال على عبادة العجل والأصنام، تقليدا لعبدة الأصنام، التي رأوها في طريق خروجهم من مصر، وانبهاراً وإعجاباً بها، والاستهانة بنبيهم، وعدم احترامه، ولا تقديره!!!
بل والاستخفاف به، ومخاطبته بكل جلافة وغلظة، وصفاقة ووقاحة، حينما طلب منهم دخول الأرض المقدسة.. لتكون وطنا مستقلاً، خالصاً لهم، بعيداً عن سيطرة فرعون وجنوده..
هذه هي صفاتهم الذميمة، القبيحة، القميئة، وسوء أدبهم مع خالقهم، الذي فضلهم على العالمين، وأغدق عليهم نعماً كثيرةً، لا تعد ولا تحصى، ونجاهم من فرعون، الذي كان يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم!!!
بل تمادت بهم الوقاحة، والصفاقة، والتبجُح، أن اجترأوا على الله العظيم، فطلبوا من موسى عليه السلام، بكل فجاجة، وغباء، وسوء أدب، أن يروه جهرة، سبحانه جل شأنه!!!
وكانت آخر أعمالهم الخسيسة الدنيئة، وآخر مكرهم، وكيدهم لآخر رسول من بني قومهم!!! اجتراؤهم على المسيح ابن مريم عليه السلام، والتخطيط لقتله، مع سبق الإصرار والترصد!!!
لولا أن الله تعالى رفعه إليه، وحماه من بين أيديهم، الملطخة بدماء النبيين السابقين، وأوقع بين أيديهم الآثمة، شخصاً شبيهاً به!!! فقتلوه، وصلبوه تشفياً، وتنفيساً عن حقدهم على المسيح بن مريم، وهم يظنون أنهم قتلوا المسيح، وتخلصوا منه، لأنه كان يدعوهم إلى توحيد الله، وهم ما يريدون إلا الشرك بالله!!!
هذا هو حالهم، وهذا هو شأنهم مع أنبيائهم، من بني جلدتهم من بني إسرائيل!!! ومع ذلك فعلوا معهم الأفاعيل المشينة، من تكذيب، واضطهاد، وتنكيل، وقتل، وسفك لدمائهم الطاهرة، الزكية، البريئة!!!
وما كان ذنبهم، إلا أنهم آمنوا بالله الواحد الأحد، ودعوهم لعبادته دون سواه، فكيف سيكون حالهم مع نبي من غير جنسهم!!! ومع رسول عربي، هو خاتم الرسل؟!
هذا ما سنستعرضه في الجزء الثاني بإذن الله تعالى..
الأحد 22 شوال 1441
14 حزيران 2020
د/ موفق السباعي
المصادر:
يوسف 8-9 مريم 59 يوسف 18 الشعراء 10-11 الشعراء 16-17 البقرة 49 الأعراف 138 المائدة 21-22 المائدة 24 الأعراف 166 المائدة 26 المائدة 70 آل عمران 181 المائدة 20 الأعراف 141 النساء 153 المائدة 18 النساء 157- 158
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة