اختاره الله لجواره ونزلت فجيعته فينا كمالصاعقة ثم إنه طلب إلى بعض أهله -فاهله أهل السودان جميعا -أن أخاطب الحضور بحقه فينا وأردف شقيق الفقيد "وانت أحد خلصائه "....وما كان لى أن اردهم ابدا استاذنتهم ساعة من الزمان والعودة لمنزل الفقيد الذى ليس له باب يطرق وتلك لعمرى صفة ربانية - وتشاء الأقدار أن يحال بينى وبين العودة لارتجال كلمة واجبة بحق الرجل بسبب إغلاق الطرق ما بين مدينة المهندسين وحى ود نوباوى العريق وهانذا ارتجل بعض كلمات قد لا تفى بحق الرجل ذلك أن اختزال نضالات الرجل ومجاهداته فى كلمات حتى لو استطالت لن تبلغ معشار ما هو معلوم عنه فالرجل واحد من الزمرة الكريمة من الرجال الذين تجمعك بهم أواصر الروح والعقل والضمير على بعد التيار واختلاف الانتماء فكأنه من أهلك بحق وهو باحث عن الحقيقة والصواب بأغلى الثمن ولو كان روحه أو حريته وهو ذو عقل جاذب نافذ وصاحب بيان ناصع وله جرأة عجيبة على السباحة عكس التيار ولديه من النزاهة والشجاعة قدرا عظيما لا يتيسر لغيره ولو أخلص الاجتهاد فقد كان يؤمن انه فى مغامرة الحياة يكمن جوهر الحياة وكان أن النبوغ ليس إلا المقدرة على تحمل الجهد المستمر كان الرجل يؤمن أن الوفاق الوطنى حول هوية الوطن وآليات الحكم ومكونات السلطة وأهداف ومرامى السياسة والتراضى الاجتماعى هى المدخل السليم لديمقراطية مستقرة وباقية وكان فى أحلك الظروف ينادى بفكرته الباهرة " السودان أولا " وذلك لايمانه التام بأن النظام الديمقراطي هو الأوفر والأكثر اعتمادا على المياسرة والمسامحة والانضباط الذاتى ولذلك كان فى تقديرى أن عبد الرحمن نقد الله هو الأكثر عداءا حد التطرف للأنظمة الشمولية ومقارعتها بكل السبل أيا كانت المخاطر ...وكان عليه رحمة الله صاحب بصيرة وفهم للسياسة إذ كان يؤمن إيمانا قاطعا بأن ازدهار السياسة إنما يكون بكون السياسة شأن كل إنسان وإن أنسى لا أنسى مخاطبته لجمع النشطاء السياسيين فى عزاء الزميل عادل أحمد يوسف حيث قال "على أهل السودان جميعا أن يرتدوا فنلة الفريق القومى لخلاص السودان " كان الرجل بحسه الوطنى الغالب بعيدا عن حزبية ضيقة يعلم بأن السياسة تضمحل حينما تعتبر شأن الحكام دون المحكومين ومن هنا تبرز صفة تواضعه وحسن استماعه وطلاقة وجههه لكل من يحدثه من الناس العاديين. وكان الرجل عادلا وكأنى به متأسيا بمقولة باسكال "ليس هناك سوى نوعين من الرجال ، رجال عادلون يظنون انهم يخطئون ورجال يرتكبون الخطايا وهم يظنون انهم عادلون "...كان رحمه الله لا يأمن حكم الديكتاتور وإن بدا صالحا وكأنى به قد أدمن قوله همنجواى "إن وعدا بالحرية من ديكتاتور هو شيك بلا رصيد" لذا كان الرجل يدرك بحسه الديمقراطى أن جوهر الديمقراطية ماثل فى قدرة الشعب على الرفض والمقاومة أيا كانت التضحية ولو تأملنا كلماته الشجاعة حينما نطقت محكمة ظالمة بحكم الإعدام بحقه لتبين لنا ثبات الرجل ومبدئيته. ...وبرغم هذا الكبرياء المحمود فيه فإن الأمير نقد الله هين لين فى وجه مواطنيه فالرجل يلج وجدان المحيطين به من أية جهة أو حزب بلا استئذان. .. كنت كلما ألتقيته فى أيام شدة وتضحيات جسام أكاد اصرخ هاتفا :
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة