عندما تستمع لتصريحات بعض القادة في الدولة ، خاصة أمام وسائل الإعلام ، تصدمك الحقيقة المؤلمة التي لا تخفى على أي عاقل ، جهلٌ مريع بوظيفة القيادة ، وسطحية مخيفة في فهم القضايا المصيرية ، وتناول عبثي لمفاهيم الأمن القومي التي يفترض أن تكون محور تفكيرهم الأول والأخير . بعضهم يتحدث بارتجال ، يصرّح بلا حساب ، يستخفّ بالكلمات التي قد تجر الدولة إلى هاوية أو تفتح عليها أبواب التدخل الخارجي ، والكارثة الكبرى أن هؤلاء لم يخضعوا لأي نوع من التدريب على الأمن القومي ، ولا يملكون الحد الأدنى من الوعي بما يعنيه أن تكون وزيراً أو مسؤولاً في دولة مهددة من كل الاتجاهات وغارقة في بحر من الازمات . وهذا وحده كافٍ ليُعدّ تهديدًا صريحًا لوجود الدولة ذاتها .
الدول المتقدمة لا تترك مقاعد السلطة لمن يجهلون قواعدها . القادة هناك لا يُسمح لهم بتولي أي موقع قيادي قبل المرور عبر منظومات تدريب صارمة تشمل الأمن القومي ، والعلاقات الدولية ، وإدارة الأزمات ، والسياسات الاستراتيجية ، وحماية الدولة من الداخل والخارج . بينما في السودان ، نشهد العكس تمامًا ، تعيينات ارتجالية ، غياب تام للتأهيل ، واستسهال خطير لمنصب القيادة كأنه منبر شخصي للظهور الإعلامي . الفرق بيننا وبينهم أن قادتهم يتكلمون باسم الدولة بوعي محسوب ، بينما يتكلم بعض قادتنا أحيانًا وكأنهم خصوم للدولة نفسها .
إن غياب التدريب الأمني للقادة هو خلل خطير يضرب أساس الدولة ، لأن من لا يفهم كيف تحمى الدولة ، لا يمكن أن يُؤتمن على قيادتها . التصريحات المرتبكة ، والمواقف المتناقضة ، والتصعيد غير المبرر ، كلها مظاهر لخلل معرفي عميق يكشف أن كثيرين في مواقع القيادة لم يدركوا بعد أن موقعهم هذا هو خط التماس الأول مع المخاطر التي قد تطيح بوحدة الوطن وسيادته واستقراره .
فما أسهل أن يفرط القائد غير المدرّب في معلومات حساسة أو يتخذ قرارا كارثيا يفتح باب فتنة أو يشعل صراعات تهز اركان المجتمع والدولة . وما أصعب أن تُرمم تلك القرارات بعد أن تقع الفأس على الرأس .
لا مفر من التدريب الأمني ، فهو مسألة حياة أو موت للدولة ، بحيث يجب أن تفرض تدريب إلزامي عالي المستوى لكل من يتولى منصبًا سياديا أو وزاريا أو قياديا في مفاصل الدولة ، تدريب يُعيد تعريف الوظيفة القيادية كمهمة لصيانة الدولة وبقاءها والله المستعان .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة