إذا سلَّمنا بأن المستهدف الإستراتيجي لإحلال السلام في معية نظام ديموقراطي يرفع راية المساواة والعدالة ودولة المؤسسات والقانون ، هو بإختصار إحلال التنمية المستدامة والمتوازنة و(العادلة) ، فإن ذلك يفرض طرحاً يجب أن ينتبه إليه الذين يقودون اليوم دفة تحقيق السلام برؤية (مختلفة) و(مُحصَّنة) ضد كل العيوب والأخطاء التي عانت منها تجارب المصالحات السابقة ، فعلى الدوام كانت التنمية بمفهومها التقليدي الذي تنتجه مؤسسات الدولة عبر المعايير الفنية والإدارية البحتة مصدراً لتجَّدُد الأزمات وصمام (أمان) غير مُجدي ولا مضمون العواقب فيما يتعلَّق بإغلاق باب الشعور بالظلم والتهميش من جديد في الأقاليم المتوتِّرة في السودان.
على معاهدة السلام المتوقع إنجازها ، أن تهتم هذه المرة بالتفاصيل التي تمُس الواقع الإجتماعي العام بالبلاد خصوصاً في مناطق التوترات التي شئنا أم أبينا قد (تطوَّرت) وإتسعت فيها (ثقافة) البحث عن الذات والشعور بالغُربة داخل الوطن الواحد ، وذلك عبر(النأي) بمُحطَّطات إنجاز التنمية المُستدامة من الإعتماد على ذات المصادر التقليدية التي تعالج الأزمة بإنتاج المزيد من الأزمات ، فالمنظور الواقعي والطبيعي لما كان يحدث سابقاً أن (تتركَّز) مشاريع التنمية في المواقع أو الأماكن التي تتوفَّر على بنية تحتية تستطيع أن تخدم المشروع المعني ، ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه البنى التحتية المطلوبة كانت ومازالت لا تبارح المركز العام للدولة ثم الأفرع المركزية للولايات ، لكل ذلك أصبح أمر إحلال التنمية المُستدامة لما بعد السلام (حبيساً) في المراكز و(بعيداً) في تأثيره عن مواقع ومناطق الشعور بالتهميش والظلم ، ليكون ذلك أشبه بآلة نصنعها بأيدينا لإنتاج الأزمة وتوسعة مداها.
إشكالية المركز والهامش مع حيث البُعد المجتمعي تتجاوز بخصوصياتها (تقليدية) التخطيط المركزي لإحلال التنمية بناءاً على واقع (موجودات البنى التحتية) ، فالتنمية في هذا التوقيت الذي يستشرف السلام يجب أن تكون (موضعية) ومعتدة على فكرة (البدأ من جديد) في إعداد وإنشاء بنى تحتية تستهدف الواقع المجتمعي لأكثر المناطق معاناةً من سوءة التواجد خارج إهتمامات الدولة والمجتمع المركزي الذي نقصد به العاصمة القومية وعواصم ومدن الولايات.
إن التركيز على تمديد رقعة البنى التحتية والقضاء على الأمية ونشر سُبل الحصول على أدنى مستويات الرعاية الصحية في الفيافي النائية ، هو الطريق الصحيح لإحداث تغيير في البنية الثقافية التي إنطلقت منها حيثيات الشعور بالتغريب وضمور موجبات الإنتماء الوطني.
بإختصار علينا الإقرار بأن المطلوب قبل العبور إلى مرحلة تحقيق التنمية المُستدامة أن يسبقها (إعداد) مُحكم وفعَّال للبنى التحتية الأساسية في أقصى المواقع بُعداً عن المراكز ، مُستهدفاً ضمن أولوياته بناء الإنسان على المستويين المعنوي والمادي ، فضلاً عن توفير إمكانية إستيعاب هذه المناطق لكافة المشاريع التنموية التي تتناسب مع طبيعتها ومواردها وقدراتها البشرية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة